التقييد في مقام جعل الحكم من قبل المولى ، فهذا أمر محفوظ ، حتى في موارد عدم دخل القدرة في الملاك ، إذ تقييد الخطاب إنّما هو من فعل المولى ، وشأن من شئونه. إذن فالتقييد تقييد مولوي على أيّ حال. فلو سمّيت القدرة عقلية حينئذ ، لا يكون معناها إنّها إنّما سمّيت بذلك ، بسبب كون العقلي هو المقيّد ، بل سمّيت بذلك ، بمعنى كون العقل هو الكاشف عن التقييد.
وإن كان المراد بالتقييد المولوي التقييد الذي يكون عملا اختياريا للمولى ، وتحت سلطانه ، بحيث يكون للمولى رفعه ، أو تبديله إلى الإطلاق مثلا ، وهذا يتناسب مع كونه تقييدا للملاك بالقدرة ، لا تقييد الحكم ، إن كان هذا هو المراد بالتقييد المولوي ، فإنّ المولوية بهذا المعنى لا يقتضيها ظهور الخطاب الصادر من المولى ، لأنّها مئونة زائدة على كون التقييد عملا صادرا من المولى مع أنّ الكلام إنما هو في نكتة كون هذا التقييد وأنّه صدر من المولى ولما ذا أخذه المولى ، حيث يقال مثلا : إنّ المولى إنما أخذه باعتبار نكتة أنّه فاقد القيد الآن ، وليس فيه مصلحة ، أو يقال تارة أخرى : إنه إنما أخذه باعتبار أنه فاقد القيد ، فيقبح عند العقل التكليف به ، فهاتان نكتتان.
إذن فهذا الوجه غير صحيح.
٣ ـ الوجه الثالث هو : أنّنا سلّمنا أنّ التقييد مولوي على كل حال. إلّا أنّه يدور أمره بين كونه تأسيسيا أو تأكيديا. بمعنى أنّه إن كان المقصود من التقييد. التقييد من باب ضيق الخناق ، إذن فبيان القيد تأكيديّ لأنّ هذا المطلب بيّن بحكم العقل. وأمّا إذا كان الغرض من التقييد بيان أنّ القيد دخيل في الملاك ، إذن فمثل هذا لم يبيّن ببيان آخر ، إذن فيكون تأسيسيّا.
وبتعبير آخر : إنّ اشتراط القدرة في الخطاب ـ سواء أكان من جهة حكم العقل بقبح خطاب العاجز ، أو من جهة اقتضاء الخطاب تقييد متعلقه بالمقدور ـ بعد أن كان أمرا مركوزا عند العرف ، وبمثابة المقيّد اللبّي المتصل بالخطاب ، حينئذ يكون تصدّي المولى للتصريح به ، وإبرازه ظاهرا ،