أو فقل : إنّه في هذه الحالة ، إذا كان مفاد الدليلين حكما فعليا ، وقلنا بالامتناع ، فهنا ذكر صاحب «الكفاية» إنّه لا سبيل إلى إثبات الملاكين في المجمع ، وذلك لوقوع التعارض والتكاذب بين دليل الأمر مع دليل النّهي فيتساقطان ، ومع التساقط لا يبقى دليل نثبت به كلا الملاكين.
إلّا أنّ المحقق الأصفهاني «قده» ذكر أنّه يمكن إثبات الملاكين في هذه الحالة الرابعة بأحد طريقين : (١).
الطريق الأول : هو التمسك بالدلالة الالتزامية لدليلي الأمر والنّهي على الملاك ، بعد سقوط دلالتهما المطابقية على الخطاب في مورد الاجتماع ، وذلك لعدم تبعيّتها لها في الحجية ، فإنّ لدليل ، «صلّ» ، و «لا تغصب» مدلولا مطابقيا هو ثبوت الحكم الفعلي ، ومدلولا التزاميا هو ثبوت الملاك ، وبعد سقوط المدلول المطابقي بالمعارضة ، يبقى المدلول الالتزامي بلا مكذب ومعارض له ، فيكون حجة. وهذا الكلام لا يمكن المساعدة عليه :
أمّا أولا : فلأنّه مبنيّ على عدم تبعيّة الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجيّة ، وهذا غير تام لما عرفت من أنّ الصحيح هو التبعيّة.
وأمّا ثانيا : فلو سلّم ذلك ، لجرى هذا الكلام في سائر موارد التعارض بين دليلين في موضوع واحد ، كما لو قال «صلّ ولا تصلّ» فإنّه حينئذ يقال : إنّ «صلّ» يدل بالمطابقة على الأمر ، وبالالتزام على ملاكه ، وهو محبوبيته الشأنيّة ، وخطاب «لا تصل» أيضا يدل بالمطابقة على ثبوت النّهي ، وبالالتزام على ملاكه ، وهو مبغوضيته الشأنيّة. وبعد سقوط الدلالة المطابقية بالمعارضة ، تبقى الدلالة الالتزامية فيهما على الحجيّة ، وحينئذ يدخل المقام في باب التزاحم بين الملاكات ، لتماميّة الملاكين بالدلالة الالتزاميّة لكل منهما ، مع أنّ دخولهما في هذا الباب لم يلتزم به أحد.
__________________
(١) نهاية الدراية ـ الأصفهاني : ج ٢ ص ٩١ ـ ٩٢ ـ المطبعة العلمية ـ رقم ١٣٧٩ ه.