مع أنّ الفعل الخارجي كان واحدا ، إذن فالمقربية والمبعديّة من شئون الداعي النفساني المحرّك نحو الفعل.
وهذا الداعي ، يخلق في طول وجوده عنوانا ثانويا ، إمّا حسنا أو قبيحا في هذا الفعل ، وهذا العنوان الثانوي ، يكون مقربا تارة بتبع مقربيّة الداعي ، ومبعدا أخرى بتبع مبعديّة الداعي.
وعلى هذا ، فلو أمكن وجود فعل واحد بداعيين : أحدهما إلهي ، والآخر شيطاني معا ، فقد ثبت الاقتراب والابتعاد معا ، لأنّ السبب للقرب والبعد ليس هو الفعل ، حتى يقال : كيف يعقل أنّ شيئا واحدا يوجب القرب والبعد إلى المولى في نفس الوقت ، وذلك لأنّ السبب هو الداعي والقصد ، فإنّه مع تعدده ، يعقل التقرب والابتعاد معا.
وعلى ضوء هذه المقدمة ، نقول : إنّه تارة يفترض أنّ مصلحة العبادة قائمة بخصوص الحصة المنهيّ عنها ، وأخرى ، يفترض أنّ المصلحة قائمة بالجامع بين الحصة المنهي عنها ، وبقيّة الحصص المباحة.
فلو افترضنا أنّ المولى نهى عن الصلاة في الحمّام ، وكان الأمر متعلقا بخصوص الصلاة في الحمّام ، بمعنى أنّ المصلحة كانت قائمة بخصوص هذه الحصة من الصلاة ، ففي مثله ، لا يمكن التقرب بالصلاة في الحمّام ، لما ذكر في هذا الملاك ، فإنّ النّهي الفعلي يعجز المكلّف عن قصد التقرب بها.
ويستحيل في هذا الفرض أن يوجد داعي النّهي عند المكلف ، ما يقربه من المولى ، لأنّ هذا الداعي المفروض ، إن فرض أنّه داع نحو الصلاة في الحمّام ، فالمفروض أنّه لا يمكنه التقرب بها لما عرفت.
وإن فرض أنّه داع نحو الجامع بين الصلاة في الحمام ، والصلاة خارجه ، فهذا باطل ، لأنّ المفروض أنّ المصلحة قائمة في خصوص الصلاة في الحمّام ، ولا ملاك ، ولا مصلحة في الجامع.