وحينئذ ، فلا معنى للتمسك بالإطلاق الأحوالي لإثبات انّ المجيء علة لوجوب الإكرام مطلقا ، أي سواء مات أو لا ، إذ يمكن اختيار الفرض الثاني من الفروض الثلاثة في ذلك التقريب ، وهو فرض احتمال كون العلة الأخرى علة مستقلة أيضا لحصة أخرى من الحكم ، دون أن يلزم من ذلك اجتماع حكمين مثلين على موضوع واحد ، بعد أن افترضنا عدم اجتماع الشرطين معا.
٣ ـ الاعتراض الثالث : وهو انّه لو سلم بأنّ ترتب الجزاء على الشرط ، يستفاد من الترتب العلّي ، إلّا انّ ذلك لا يثبت انّه علة تامة ، لاحتمال كونه جزء علة ، وإطلاق ترتبه على الشرط ، لا يثبت انّه علة تامة ، لأنّ هذا الإطلاق ، ينفي جزئيّة العلة الناشئة من القصور الذاتي ، لا الجزئيّة الناشئة من تزاحم العلتين.
وتوضيح ذلك هو : انّ الشيء ، تارة يكون جزء علة ، باعتبار قصوره الذاتي عن الاستقلال في إيجاد المعلول ، كالنار ، فانّ النار لا تكفي وحدها للإحراق ما لم ينضم إليها عدم المانع ، وأخرى يكون الشيء جزء علة ، لا من باب القصور الذاتي ، بل هو في نفسه علة تامة ، إلّا أن يكون هناك شيء آخر علة تامة في نفسه ، وحينئذ ، فإذا اجتمعا في وقت واحد ، فلمّا كان يستحيل تأثيرها معا ، على نحو يكون كل منهما علة تامة ، فحينئذ ، لا بدّ وأن يصبح كل منهما جزء علة.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : إنّ جزء العلة التي ينافيها إطلاق الترتب هي الأولى ، فتنفى بهذا الإطلاق ، وأمّا الثانية ، فلا تنافيه لتنفى به ، فإنّه متى ما وجدت العلة وجد معلولها ، سواء وجدت العلة الأخرى أو لا.
وإن شئت قلت : إنّه يمكن اختيار الشق الثالث ، وهو احتمال كون الشرط ـ عند ما يجتمع مع العلة الأخرى المحتملة ـ يشكل جزء علة ، وكذلك العلة الأخرى تشكل جزء آخر.
والحاصل : انّ كلا منهما يشكل جزء علة لإيجاد الجزاء الواحد ، لأنّ هذه الجزئيّة ليست ناشئة عن القصور الذاتي للشرط ، كي يكون على خلاف