ب ـ الاحتمال الثاني : هو أن يكون ربط المتكلم بين الشرط والجزاء ، باعتبار انّ الجزاء ثابت على كل حال ، سواء وجد الشرط أم لم يوجد ، فكما يمكن للمتكلم أن يخبر عن هذا الجزاء بقول مطلق ، كذلك ، يمكنه أن يخبر عن حالة وجود شرط ، وحينئذ ، فيربط بينهما ، ويكون ذلك ، سكوتا عن الجزاء حال عدم وجود الشرط ، ولا مانع منه ، بعد أن كان الجزاء ثابتا على كل تقدير ، ومثاله ، قولنا : إذا كان الإنسان ناطقا ، كان المطر نازلا.
الاحتمال الثالث : هو أن يفرض عدم وجود اعتقاد بالتلازم ، وعدم علم بثبوت الجزاء على كل حال ، ومع ذلك ، يعقد المتكلم قضيّة شرطية خارجيّة ناظرة إلى جميع الأزمنة ، كما يقول : كلما مطرت السماء ، غرّد طائر ، والمسوّغ لهذا الربط ، هو علمه الغيبي بذلك ، وأنه كلّما نزل مطر ، غرّد طائر ، ولو من باب الصدفة ، فهذه احتمالات ثلاثة.
أمّا الاحتمال الثاني ، فهو معقول ثبوتا إلّا أنّه خلاف الظاهر إثباتا ، والوجه في ذلك هو انّه إذا فرض ثبوت الجزاء على كل حال ، سواء وجد الشرط أم لم يوجد بحيث لم يكن للشرط أيّ تأثير في ثبوت الجزاء ، ففي مثله ، لا معنى لإناطة الجزاء بالشرط ، ويكون ذلك لغوا ، فمن إناطة الجزاء بالشرط ، يفهم عرفا انّ للشرط نوعا من التأثير في ثبوت الجزاء ، وهذا جار حتى في التقييد بالوصف الذي لا مفهوم له ، فمثلا لو قال المولى ، «اكرم العالم العادل» ، فإنّ التقييد بالعادل ، يدل على انّ وجوب الإكرام غير ثابت لجميع العلماء ، وإلّا لكان ذكر العدالة لغوا ، نعم قد يشمل بعضا من غير العدول ، لنكتة ، فهذا المقدار من المفهوم ، ثابت حتى للتقييد بالوصف ، وقد سمّيناه بالسالبة الجزئية ، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.
وحينئذ ، فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للتقييد بالوصف ، فبطريق أولى بالنسبة للتقييد بالشرط ، فإذا رأى المتكلم انّ الجزاء ثابت في جميع الحالات ، فلا معنى للتقييد بالشرط ، لأنّ التقييد هو التحفظ عن بعض