والتحقيق هو ، انّ الاستثناء من الإيجاب سلب ، فيثبت المفهوم فيه أيضا.
وبيان ذلك ، يكون على ضوء الموازين التي ذكرناها في إثبات المفهوم ، حيث ذكرنا انّ ثبوت المفهوم في المقام ، متوقف على ثبوت ركنين.
الأول : هو إثبات كون العليّة انحصارية.
الثاني : هو إثبات كون المعلّق طبيعي الحكم.
أمّا الأول ، فهو ثابت ، لأنّ أداة الاستثناء تثبت انّ مناط الحكم وما هو موضوع له ، هو المستثنى منه فقط ، وانّ المستثنى ليس علة ولا موضوعا له ، وهذا هو معنى العليّة الانحصاريّة.
وأمّا الثاني : فهو ثابت أيضا ، لأنّ النسبة الاستثنائيّة في المقام ، نسبة قائمة بين المستثنى منه والمستثنى في عالم الذهن ، لأنّه في مرحلة الواقع لا معنى للاستثناء والاقتطاع ، لأنّ كل عرضي في هذه المرحلة قائم على موضوعه من الأزل إلى الأبد ، «فوجوب الإكرام» ثابت على العلماء من الأول إلى الأخير ، «وعدم وجوب الإكرام» ثابت لغيرهم كذلك ، وإنّما يكون الاستثناء والاقتطاع في عالم الذهن ، إذ فيه ينسب ثمّ يقتطع.
وعليه ، فالنسبة الاستثنائية نسبة تامة ، لأنّ موطنها الأصلي هو الذهن ، وإذا كانت النسبة الاستثنائية تامة ، فإنّه يعقل حينئذ إجراء مقدمات الحكمة لإثبات انّ المستثنى قد أخرج من طبيعي الحكم لا من شخصه ، وبذلك يثبت المفهوم.
وقد مرّ معك ، تفصيل الأصول الموضوعية لهذا الكلام مرارا.
وإن شئت قلت : إنّه على ضوء الموازين المتقدمة في إثبات المفهوم ، وهو ان الاستثناء يعني الاقتطاع ، وهو لا يكون الّا من شئون النسب التامة الحقيقية في الذهن ، وأمّا في الخارج ، فلا اقتطاع ولا حكم ، فهي كالعطف