وقد اتضح مما قدمناه في الفروع الأربعة السابقة ، أنّ هناك فارقا بين موارد دوران المخصص المجمل بين الأقل والأكثر وبين موارد دورانه بين المتباينين ، وقد عرفنا أن لكل منهما حكم يختلف به عن الآخر.
ولكن الآن ، نبحث عن الميزان الفني الذي به نعيّن انّ الدوران هو دوران بين الأقل والأكثر ، أو دوران بين المتباينين ، وهل انّ الميزان بينهما ، هو المفهوم ، أو الميزان هو الصدق والمصداق الخارجي؟.
وتوضيح ذلك هو ، أنّ إجمال المخصص المفهومي يتصور على أنحاء.
١ ـ النحو الأول : هو أنّ إجمال المفهوم في المخصّص مرجعه إلى أنّ الخارج بالتخصيص يدور أمره بين المطلق والمقيّد ، يعني إنّنا نعلم بخروج مفهوم معيّن عن العام ، ويدور أمره بين أن يكون هذا المفهوم قد خرج بمطلقه ، أو انّه خرج بمقيّده ، ومثاله : «أكرم كل فقير ، ولا تكرم فساق الفقراء» ، ونفرض انّ كلمة «فاسق» ، أمرها مردّد بين فاعل الذنب مطلقا ، أو فاعل الذنب الكبير خاصة ، وهذا معناه ، انّ الخارج بالتخصيص مفهوم واحد بعينه ، وهو فاعل الذنب ، لكن فاعل الذنب مردّد بين أن يكون قد خرج بمطلقه ، أو بمقيّده ، أي فاعل خصوص الذنب الكبير.
وهذا النحو الأول ، يدخل في الأقل والأكثر ، لأنّ مرجعه إلى أنّ فاعل الذنب الكبير خارج يقينا ، وفاعل الصغيرة مشكوك في انه خرج أو لم يخرج ، إذن فالدوران بين الأقل والأكثر.
٢ ـ النحو الثاني : هو أن يكون المخصص المجمل مردد بين مفهومين متغايرين في عالم المفهوميّة ، وهذان المفهومان نسبتهما في الخارج هي ، التباين في مقام الصدق ، كما إذا قال : «أكرم كلّ فقير» ثم قال : «ولا تكرم الفقير المولى» ، وتردد معنى المولى ، بين الفقير القريب ، وبين العبد من الأقرباء غير الأحرار ، فالمخصص هنا ، أمره دائر بين مفهومين متباينين مفهوما ومصداقا ، وهذا يدخل في مورد الدوران بين المتباينين.