لكن هنا ، لو فرض انّ الشبهة مصداقيّة ، كما في المثال المذكور ، فهنا لا يجوز التمسك بالعام لإثبات وجوب فعلي بإكرام «زيد» ، لكن يجوز أن نتمسك بالعام لإثبات وجوب إكرامه على تقدير أن لا يكون فاسقا ، بحيث يثبت بالعام وجوب مشروط ، هذا إذا كان لهذا الوجوب المشروط أثر ، كما لو فرض انّ الحكم كان من الأحكام التي يجب الاحتياط فيها عند الشك.
وهذا لم يكن ممكنا في الشبهة المفهوميّة.
٣ ـ الفرع الثالث : هو ما إذا كان المخصّص المجمل مصداقا متصلا بالعام ومرددا بين المتباينين ، كما إذا ورد ، «أكرم كلّ فقير» ، «ولا تكرم فسّاق الفقراء» ، وهناك فردان من الفقراء ، نعلم بفسق أحدهما ، وعدم فسق الآخر ، فدار الأمر بين المتباينين.
وهنا ، التمسك بالعام لإثبات وجوب الإكرام لكلا الفردين ، أو لإثبات وجوب إكرام لإحدهما بعنوانه التفصيلي ، واضح البطلان ، إذ انّ مثل هذا ، لم يكن ممكنا في الشبهة المفهوميّة كما تقدم ، فكيف في الشبهة المصداقيّة التي علم فيها بحدود المخصّص مفهوما ، وأمّا التمسك بالعام لإثبات حكمه لغير الفاسق منهما على إجماله ، فهو أمر صحيح ، باعتبار انّ أحدهما على إجماله فرد من العام يقينا ، وخارج عن المخصّص يقينا ، إذن فيكون العام حجة فيه ، فيثبت حكمه له.
وهنا لا نواجه تلك المشكلة التي واجهناها في الشبهة المفهوميّة ، لأنّه لا موضوع لها في الشبهة المصداقيّة ، لأنّ الخارج بالتخصيص فيها متيقّن دائما ، وهو من ينطبق عليه مفهوم الفاسق من هذين الفردين ، وهذان الفردان نعلم إجمالا بأنّ أحدهما مصداق للفاسق دون الآخر ، وحينئذ يكون غير الخارج متعينا ، إذن فكل من الخارج عن العام والداخل فيه متعيّن واقعا.
بينما في الشبهة المفهومية كنّا نواجه ، انّ الخارج بالمخصّص غير متعيّن في نفس الأمر والواقع ، وكنّا نتساءل هناك ، إنّنا نتمسك بالعام للحكم على ما ذا؟ وعند ما كان أحدهما غير متعيّن كان الآخر غير متعيّن أيضا في نفس الأمر والواقع.