ثم إن كلا التقريبين لا يصحان فيما لو فرض ان الدليل الخاص ـ الدال على عدم وجوب إكرام زيد ـ كان قضية حقيقية. فإن كلا التقريبين لا يتم. ومثاله : أن يرد عام يقول : أكرم كل عالم الآن. ويرد خاص يقول : لا يجب إكرام زيد الآن. فهذا المخصص تارة يحمل على أنّه على نهج القضية الخارجية. فحينئذ ، لا يمكن القول إن دليل العام ـ «لا تكرم زيدا الآن» ـ له إطلاق بحيث يشمل ما إذا كان زيد عالما. إذ لعلّ المولى فحص عنه وأحرز انه جاهل ولهذا قال : لا يجب إكرامه. أي لعله خارج تخصّصا.
ولكن لو حملنا المخصص على نهج القضية الحقيقية ، فحينئذ هذا المخصص يكون له إطلاق يشمل ما لو كان زيد عالما ، أي لا تكرمه سواء كان عالما أو لم يكن ، كان قرشيا أو لم يكن. فالتمسك بالعام الذي هو على نهج القضية الحقيقية لإثبات ان زيدا لو كان قرشيا لوجب إكرامه ، كذلك هنا. فإذا أمكن التمسك بإطلاق هذا الدليل لإثبات أن زيدا لا يجب إكرامه مطلقا ، أي سواء كان قرشيا أو لا عالما أو لا. فهذا بنفسه يعني إثباتا للتخصيص. وحينئذ ، لا يكون المقام من باب دوران الأمر بين التخصيص والتخصص ، بل هو تخصيص من باب انه قامت عليه الحجة والدليل. لأنّ الدليل أثبت عدم وجوب إكرام زيد الآن سواء كان عالما أو لا ، وحينئذ يكون هذا تخصيص في دليل العام إذا كان العام على نحو القضية الحقيقية لأنه ينحل إلى قضايا شرطية واحدة منها تعطى لزيد ، إذن ، فالعام يقول : إن كان هذا عالما فأكرمه. والخاص يقول : لا تكرمه مطلقا ، وهذا يعني إن العام لا يتناوله بشرطيته بعد تناول الخاص له مطلقا. إذن ، فيتعين الالتزام بسقوط شرطية العام في هذا الفرد ، ومع تعين ذلك يكون تخصيصا ولا مجال لإعمال اصالة العموم أبدا. وبهذا ، يتضح انّه كلما كان العام مجعولا على نهج القضية الحقيقية وكان الخاص كذلك كما هو الغالب في القضايا الشرعية ، فلا يتم كلا التقريبين لأن الخاص حينئذ يكون مخصصا للعام يقينا. وفرض دوران أمر المخصّص بين التخصيص والتخصص إنّما هو في القضايا الخارجية الحقيقية.