ولعلّ أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام قد عملوا بهذه العمومات باعتبار كونهم متشرعة وليس باعتبار كونهم عقلاء ، والقدر المتيقن من حجية هذه العمومات حينئذ ، هو ما لو فحص عن المخصص ولم يجده. وهذا الوجه يختلف عن الوجه الأول ، حيث انّ الأول كان يدّعي تنزيل المخصص المنفصل منزلة المخصص المتصل ، بينما يدّعي هذا الوجه ، انّه لا يوجد موقف للعقلاء يبنون فيه على حجية عمومات المتكلمين الذين يكثرون من الاعتماد على المخصصات المنفصلة ، لا سيّما وانّهم لا يعتمدون على المخصصات المنفصلة إلّا نادرا ، ومعه ، فلا حجية لعموماتهم لا قبل الفحص ولا بعده.
وهذا الوجه ، يتناسب مع مختار المحقق الأصفهاني (قده) في السيرة العقلائية ، حيث انّ الاستدلال بالسيرة العقلائية فيه مسلكان.
١ ـ المسلك الأول : وهو مسلك الأصفهاني (قده) (١) حيث ادّعى انّ الاستدلال بالسيرة ، دائما يكون بسلوك العقلاء نفسه ، وتصرفهم الخارجي في مقام العمل بنحو القضية الخارجية الفعلية ولم يردعهم الشارع عن ذلك.
٢ ـ المسلك الثاني : وهو المختار عندنا ، وحاصله هو ، إن العبرة بحجية السيرة ، ليس بالسلوك ولا بالبناء العملي والتصرف الخارجي للعقلاء ، وإنما العبرة بحجية السيرة هي ، بما يستبطنه هذا السلوك العقلائي من تشريعات وإمضاءات للعقلاء.
وهذا الخلاف ، يترتب عليه ثمرات مهمة وكثيرة ، ذكرناها في بحث السيرة ، لكن نذكر منها : إن عقليّة السيرة كانت قائمة على أن من حاز شيئا ملكه ، وانّ الشارع أمضى هذا البناء.
فهنا ، على مسلك المحقق الأصفهاني (قده) ، يختص هذا الإمضاء بحيازة ما كان متعارفا حيازته ، أو ما سلك حيازته العقلاء في الزمن السابق من
__________________
(١) نهاية الدراية ـ ج ٢ ـ الأصفهاني ـ ص ١٩٧ ـ ١٩٨.