الحكم المذكور في المنطوق ، بحيث لا ينفك عنه ، إمّا لأجل المساواة في الملاك ، أو للأولويّة فيه ، وبهذا يكون الدال على مدلول مفهوم الموافقة هو نفس الحكم المنطوقي ، فقوله تعالى ، (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) ، يدل على حكم منطوقي ، وهو حرمة قول أف لهما ، وهذه الحرمة المنطوقية تستلزم حرمة الضرب والإهانة ، فالدال على الحرمة الأولى هو ، اللفظ والكلام ، والدال على الحرمة الثانية هو ، نفس الحرمة الأولى ، أي الحكم المنطوقي ، إذن فهما حكمان مترتبان ، الكلام واللفظ يدل على الأول ، والأول يدل على الثاني.
والدلالة الثانية من هاتين الدلالتين ، تكون قطعيّة دائما ، لأنه مع فرض القطع بالملازمة بينهما ، تكون دلالة الحكم المنطوقي على الحكم المفهومي قطعيّة أيضا ، ومع عدم القطع بهذه الملازمة ، لا دلالة حينئذ للحكم المنطوقي على المفهوم أصلا.
وهذا ، بخلاف الدلالة الأولى ، إذ قد تكون قطعيّة ، كما لو كان اللفظ صريحا في الدلالة على الحكم المنطوقي ، وقد تكون ظنية ، كما إذا كان اللفظ ظاهرا في ذلك أو بالإطلاق.
ثم إنه لا يفرّق في قطعيّة الدلالة الثانية ـ في مفهوم الموافقة ـ بين أصل المدلول وإطلاقه ، فإنّ إطلاق مفهوم الموافقة بلحاظ المرحلة الثانية أيضا يكون قطعيا ، لأنه إذا لم تكن الملازمة المعلومة لها إطلاق ، إذن فلا إطلاق حينئذ في المفهوم ـ الموافقة ـ وإن كان لها إطلاق ، فالإطلاق في المفهوم قطعيّ حينئذ.
نعم قد يكون إطلاق مفهوم الموافقة ظني تبعا لإطلاق الحكم المنطوقي ، وذلك بأن لا يدل صريح اللفظ على الحكم المنطوقي وإنّما دلّ عليه الإطلاق بمقدمات الحكمة ، فالظنية وعدم القطعية ، تكون في الدلالة الأولى.
وهذا كلّه بخلاف مفهوم المخالفة ، فإنّه ليس مدلولا لنفس الحكم