إنّ الاستدلال بالسيرة يكون على أساس انّ معنى السيرة هو السلوك والعمل المجسّد بسلوك وعمل العقلاء خارجا.
ومن نتائج هذا النهج ، الاقتصار في الحجيّة على خصوص ما مارسه العقلاء في حياتهم العملية ، فمثلا ، لا يمكن الاستدلال بسيرة العقلاء على قضية ـ «إن من حاز ملك» ـ لأنّ العقلاء لم يمارسوا هذا.
٢ ـ المنهج الثاني : هو الاستدلال بالسيرة ، بمعنى خلفيات السيرة والمضمون والمحتوى الارتكازي لها ، وهو أمر يكون وراء سلوك العقلاء في حياتهم العملية ، وبهذا المعنى ، يكون للسيرة مدلول أوسع ، لأنّ خلفيّات السيرة ومحتواها الارتكازي الموجود وراء السلوك لا يحدّده ما يحدّد السلوك الخارجي للعقلاء كما يحدث لهم في ظروف معيّنة.
وحينئذ ، إذا فرضنا أن بنينا على حجية السيرة بالمنهج الأول ، فهذا معناه ، إنّ الاستدلال بالسيرة يكون استدلالا بالقضايا الخارجية التي مارسها العقلاء ، وحينئذ ، من الواضح انّه إذا كان دليل حجية كل من العموم والخبر هي السيرة ، ونظرنا إلى العموم والخبر كقضيتين خارجيتين ، فلا يعقل انعقاد سيرة العقلاء على العمل بهما معا ، كما لا يعقل أن يقدّم العقلاء أحدهما على الآخر في سيرته ، بل لا بدّ من العمل على طبق أحدهما فقط ، ولذا لا تصل النوبة إلى إيقاع التعارض بينهما والتساؤل عن المقدّم منهما ، لأنّ معنى تماميّة كل من الدليلين ، إنّ العقلاء عملوا فعلا بالخبر وعملوا بالعموم ، وهذا غير معقول ، لأنّهما متنافيان ، إذن فلا بدّ أن يكون عملهم على طبق أحدهما.
وعلى هذا الأساس ، لا بدّ من تغيير صيغة البحث ، فبدلا عن القول بأنّ دليل الحجية في كل منهما تام في نفسه ، وأنّ أيّهما يقدم على الآخر ، بدلا عن هذا نقول : إنّ دليل الحجية يستحيل أن يتم فيهما معا ، بل العقلاء إمّا أن يعملوا بهذا فقط ، أو بذاك فقط ، وعليه : حينئذ ينبغي الرجوع إلى العقلاء ، لنرى انّهم في هذه الحالة ، بأيّ الدليلين يعملون؟
وهنا ندّعي أنّ السيرة العقلائية قائمة على العمل بخبر الثقة ، وتخصيص العام به.