بين العام المتأخر والخاص المتقدم تعارض بين إطلاقين ، أحدهما ، الإطلاق الازماني للخاص ، والذي نسميه باصالة عدم النسخ ، لأنّ مقتضاه ، إنّ الحكم المجعول في الخاص ثابت في كل الأزمان ، أي حتى بعد ورود العام ، والثاني الإطلاق الأفرادي للعام ، فإنّ مقتضاه انبساط حكم العام من حين صدوره على كل أفراده بما فيهم ذاك الخاص ، وهذان الإطلاقان ، النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه.
فمادة افتراق الإطلاق الأزماني للخاص ، هي زمان ما قبل ورود العام ، لأنه في هذا الزمان لا يوجد عام ليتعارض مع الخاص.
ومادة افتراق العام هو ، حكم غير الخاص من الأفراد ، فإنّ حكم غير الخاص ، لا يعارض مع العام ، أو فقل : حيث انّ العام فيها لا معارض له حينئذ.
ومادة الاجتماع بينهما ، هي حكم أفراد الخاص بعد ورود العام.
وحينئذ يقال : بأنه إذا كانت النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص ، فلما ذا يقدّم الإطلاق الأزماني في الخاص ، والمسمّى باصالة عدم النسخ ، على الإطلاق الأفرادي في العام ، والمسمّى باصالة عدم التخصيص؟
المسلك الثاني : هو أن نبني على أنّ النسخ تصرف في مرحلة الثبوت وفي عالم الجعل والتشريع ، وذلك بأن يكون المولى قد جعل الحكم مطلقا من دون أن يأخذ الزمان قيدا في المجعول ، على نهج القضية الحقيقية ، فالإطلاق في الدليل كان مطابقا للواقع ، لأنّ الجعل كان على وجه الإطلاق ، والدليل كان يعبر عن هذا الإطلاق في الجعل ، غاية الأمر ، انّ هذا الجعل الذي صدر من المولى على وجه كلي ومطلق كان له نحو بقاء واستمرار عرفي وخارجي بحسب عالم المولوية ما لم يرفع المولى يده عنه ، وحينئذ ، المولى حينما يريد أن ينسخ الحكم ، يرفع يده عن هذا الجعل ، فالنسخ إذن ، ليس عبارة عن انتهاء أمد المجعول ، لأنّ المجعول لم يؤخذ فيه قيد بزمان خاص لينتهي أمده بانتهاء ذلك الزمان ، بل النسخ هو رفع اليد عن نفس الجعل