والحاصل : إنه لا يمكن الاستدلال على تقديم التخصيص بهذا الجواب ، لأنّ هذا الجواب يفترض المعرضية أصلا موضوعيا والمعرضيّة فرع إحراز كثرة التخصيصات المنفصلة الواردة في الكتاب والسنة النبوية ، وكثرة التخصيصات هذه ، لا تحرز إلّا بعد الفراغ عن هذه المسألة وإثبات انّه كلّما دار الأمر بين النسخ والتخصيص فالتخصيص يكون هو المتعيّن ، إذن ، فكيف نثبت هذه المسألة بأصل موضوعي يتوقف إثباته على الفراغ عن هذه المسألة ، إذن فالمسألة دورية ، إذن فهذا الجواب غير مفيد.
الجواب الثالث : هو أن يقال بتقديم اصالة عدم النسخ على اصالة عدم التخصيص بما يشبه الحكومة ، وهذا الجواب يمكن تقريبه بتقريبات ثلاث :
التقريب الأول : هو أنّ اصالة الظهور التي تسمى باصالة عدم التخصيص ليست في مرتبة اصالة الظهور التي تسمى باصالة عدم النسخ ، بل هما في مرتبتين طوليتين ، إذ أنّ هناك مرحلتين مترتبتين.
المرحلة الأولى : مرحلة تعيّن مدلول الكلام ومفاد الدليل ومراد المولى من هذا الكلام.
وفي هذه المرحلة يقال : إنّ المولى قد يريد من العام العموم ، وقد يريد منه الخصوص ، وهنا تجري اصالة عدم التخصيص لإثبات أنّ مراد المولى هو العموم ، ثم بعد أن يتبيّن مراد المولى والمتكلّم ، تأتي المرحلة الثانية.
المرحلة الثانية : وهي مرحلة تعيّن انّ هذا الحكم هل هو حكم صوري ، أم أنّه حكم جدّي ثابت ومجعول لكي يبقى ، وهنا يوجد ظهور آخر يسمّى باصالة عدم النسخ ، أو باصالة الجدّ ، يثبت جدّية الحكم ويكون هو المحكّم ، إذن ، هنا اصلان ينتسبان إلى مرتبتين من الدلالة ، وحينئذ ، يقال : إنّنا بين أمرين ، فإمّا أن نجمع بين الدليلين جمعا دلاليا بلحاظ المرتبة الأولى ، فتخصّص العام بالخاص ، ويكون الخاص قرينة على أنّ المراد من العام هو الخاص.