ولكن هذا الجواب غير تام ، لأنّ قوله : «حلال محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم» لا يراد به نفي النسخ في أحكام الشريعة من قبل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وذلك لتحقق النسخ بالوجدان ، بل يراد به أن يوضح أنّ شريعة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم هي خاتمة الشرائع ، وأنّها لا تنسخ بشريعة نبيّ آخر ، وإلّا كيف يتمّ ما ذكر ، مع أنّه لا إشكال في وجود النسخ في الأحكام.
وعليه ، فلا يتمّ هذا الجواب ، ويبطل البيان المذكور ، وعليه يتعيّن المصير إلى التقريب الثالث للجواب الثاني ، وقد عرفت انّه يتمّ في الخاص والعام الواردين فيما بعد عصر التشريع وهو عصر النبي كما عرفت ، ومن هنا ، كان المختار في هذه المسألة هو التفصيل بين ما هو وارد في صدر الشريعة وعصر التشريع ، حيث انّه فيه لا نبني على تقديم التخصيص ، لأنّه ليس هنا ما يقتضي تقديمه على النسخ ، بل لا بدّ من قرينة تعيّن أحدهما ، وهذا بخلاف ما إذا كانا واردين فيما بعد عصر التشريع من العصور المتأخرة ، فإنّه فيها يتعيّن تقديم التخصيص.
وأمّا المشهور فلم يفرّقوا بين العصرين ، بل قالوا بتعيّن التخصيص.
وليعلم أنّ هذا التفصيل المختار ليس نظريا فقط ، بل هو عملي أيضا وتترتّب عليه ثمرات عملية عديدة في الفقه.
نكتفي بذكر واحدة منها : جواز نكاح الكتابية ، حيث أنّه قد ورد في القرآن عمومات تقتضي عدم جواز نكاحها ، ولكن ورد فيه خاص يقتضي جواز نكاحها ، كقوله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) ... (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ...) حل لكم ، إذن فقد أحلّ لنا هذا العنوان ، وهو المحصنات ، وهذا خاص.
وحينئذ ، إذا بنينا على مذهب المشهور من تقديم الخاص مطلقا وأنّه يخصص العام دون النسخ أو التفصيل ، فهنا القضية واضحة ، لأنّ تخصيص العموم على مقتضى القاعدة يجوّز لنا نكاح الكتابية دون الكافرة ، وأمّا بناء على التفصيل المختار ، فإنّنا نقع في الإشكال ، إذ لا يمكن الالتزام بالتخصيص ، بل يمكن أن يقال : بأنّه يمكن أن يكون الخاص منسوخا والعام