للكليني (قده) وبصائر الدرجات للصفار (قده) وهؤلاء الثلاثة ممّن لا يحتمل في شأنهم الكذب (١) ، هذا مضافا إلى ما روي في صحاح أهل السنّة ، فإنّه لا يقلّ عمّا رواه الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، وذلك ممّا يعضد تواترها.
إلّا أنّ الخواجة نصير الدين الطوسي (قده) ذهب إلى إنكار البداء ، محتجّا بأنّه منقول بأخبار الآحاد ومثله لا يكون مشمولا لدليل حجية الخبر الواحد ، فضلا عن كون أخبار الآحاد لا تثبت مفهوما من هذا القبيل.
ولكن الصحيح ، هو أنّ أخبار «البداء» ليست أخبار آحاد ليتمّ ما ذكره الطوسي ، وإنّما هي متواترة إجمالا باعتبار كونها مختلفة في بياناتها ومداليلها ، فيكون شأنها شأن الروايات المتواترة إجمالا ، وإن كانت لا تشترك حكما في إعطاء صورة واضحة عن البداء بحيث يكون إجماعا. لما ذكرنا في محله من رجوع الإجماع إلى التواتر صورة. ومن هنا فإنّ ما يمكن إثباته لها بهذا التواتر الإجمالي هو أنّه صدر عن الأئمة عليهمالسلام شيء عن البداء ، وأمّا ما ذا كانوا يريدون به وأيّ معنى ، فإنّ هذا ليس متواترا قطعا ، إذ لا تواتر لكلّ لسان في تلكم الروايات.
وللبداء على إجماله أصل قرآني (٢) ، إذ فيه بعض الآيات التي يمكن أن تشكّل أصلا للبداء ، وإن كان هذا الأصل على ما يظهر لا ينسجم مع جملة من ألسنة هذه الروايات ، ولكنه ينسجم مع بعض ألسنتها الأخرى.
وكذلك (٣) ، فإنّ للبداء أصل إجمالي في كتب الديانات الأخرى ينسجم مع مفهوم البداء كظاهرة للتغيير.
__________________
(١) الكافي ـ الكليني ـ ج ١ باب البداء ـ ص ١٤٦ ـ ١٤٧ ـ ١٤٨ ـ ح ٩ ـ ١٠ ـ ١١. التوحيد ـ الصدوق ـ باب البداء ـ ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ـ ٣٣٤ ـ ٤٤٣ ، عيون أخبار الرضا ـ ص ١٨١ ، بصائر الدرجات ص ١٠٩ ـ عدة الأصول ج ٢ ص ٢٩ ، الغيبة للطوسي ص ٢٦٢ ـ ٢٦٤ ، راجع هذه الروايات في كتاب البحار للمجلس ج ٤ باب البداء.
(٢) سورة غافر ـ آية ٦٠ ـ سورة البقرة آية ١٨٦ ـ سورة الأنبياء ـ آية ٧٦ ـ ٨٣ ـ ٨٤ ـ ٨٧ ـ ٨٨ ـ ٨٩ ـ ٩٠ ، سورة الرعد آية ٣٩ ـ سورة فاطر آية ١١.
(٣) راجع كتابنا نظرية البداء ـ محاولة جديدة لفهمها ص ـ ٤١ ـ ٤٢ ـ ٤٣. الكتاب المقدس ـ نبوءة