وعليه لا بدّ من حلّ وعلاج الإشكال المتقدّم على ضوئها ، ويمكن تلخيص الحلول المفترضة بما يلي :
الحلّ الأول : يفترض فيه ان في البداء علمين ، لكن ليس أحدهما ناسخا للآخر كي يلزم منه نسبة الجهل إلى الله تعالى ، بل هذان العلمان ثابتان أبدا وأزلا لكن ، أحدهما قضاء على نحو القضية التنجيزية والآخر قضاء على نحو القضية التعليقية ، فيكون الأول رافعا لموضوع الثاني ، فهو حاكم أو وارد عليه. وقد عرفت في محله أنّه لا تعارض بين الحاكم والمحكوم ، ومن هنا افترضوا في هذه الحالة أنّ لله تعالى قسمان من القضاء ، أحدهما المحتوم ، والآخر المعلّق ، والأول عبارة عن قضاء يكون متعلقه قضية تنجيزية ، وهذا لا يتخلّف ، كما في حالة العلم بأنّ فلانا سوف يموت في الوقت الفلاني ، والآخر قضاء يكون محلّا للبداء ، ومتعلقه قضية شرطية كما إذا قضي بأنّ زيدا سوف يموت يوم السبت لكن مشروطا بأن لا تتعلق مشيئة الله تعالى بأن يزيد في عمره إذا هو تصدّق ، وحينئذ ، إذا فرض أنّ القضاء المحتوم كان قد تعلق بموته يوم الأحد مثلا ، فحينئذ ، هذا القضاء المحتوم لا يعارض القضاء الثاني المشروط ولا يناقضه ، وذلك لأنّ صدق القضية الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها ، إذن ، فكل من القضاءين لم ينسخ ولم يتغير ، غايته أنّ القضاء الحتمي يكون حاكما وواردا على القضاء المشروط ، ورافعا لموضوعه.
ثم إنّ السيد الخوئي (١) (قده) قد أضاف قضاء ثالثا وسطا ، حيث ذكر أنّ هناك قضاء يكون منه البداء ، وقضاء يكون فيه البداء ، وقضاء وسطا لا يكون منه ولا فيه البداء.
وأمّا صاحب البحار (٢) (قده) ، فقد عبّر عن القضاء الأول ، باللوح المحفوظ ، وعن الثاني ، بلوح المحو والإثبات.
__________________
(١) البيان في تفسير القرآن ـ الخوئي ـ ج ١ ـ ص ٣٨٨.
(٢) البحار ـ المجلسي ـ ج ٢ ـ باب البداء والنسخ ـ ص ١٣٦ ـ الوافي ـ ج ١ ـ ص ١١٣.