فلو اشترط في المقدمة الثانية أن لا ينصب قرينة على القيد ، فالعام لا يصلح قرينة على المقيد ، وفي مثله تكون مقدمات الحكمة تامة في المطلق ، وينعقد الإطلاق ويقع التعارض حينئذ بين الظهور الإطلاقي والظهور العمومي.
ولا ينبغي الإشكال في أنّ المرجع في معرفة الصحيح من هذه الاحتمالات إنّما هو ذلك الظهور الحالي السياقي للمتكلم ، وعليه نريد أن نعرف أنّه متى يرتفع الخلف الذي وظيفة المقدمة الثانية أن تثبته ، وذلك بإرادة المقيد حيث أنّه بذلك نحدّد القيد المناسب للمقدمة الثانية حيث أنّه لا إشكال في أنّه إذا لم يبين الخلاف بوجه من الوجوه يكون مقتضيا لثبوت الإطلاق ، وحينئذ لو أراد المقيد لكان خلفا.
وبعد هذا نقول : إنّه لو بين الخلاف بإرادة المطلق بحيث لو كان وحده لكفى ـ كما في التفسير الأول ـ فقال : «أكرم العالم ، ولا تكرم الفاسق» ، فهل يبقى الخلف لو أراد المتكلم المقيّد ، أم أنّه يرتفع؟ فإذا لم يلزم خلف من إرادة المقيّد ـ رغم بيان الخلاف بمطلق ـ يكون التفسير والاحتمال الأول لعدم نصب القرينة المتصلة هو الصحيح.
لكن الصحيح انّ الخلف باق لأنّ المفروض أنّ المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بشخص كلامه ، ومن الواضح ، أنّه لم يتحصّل لنا مرامه من مجموع هذا الكلام ، لأنّ مادة الاجتماع ـ «العالم الفاسق» ـ لا نعرف أنّها داخلة في مرامه أم لا ، إذن ، فهو لم يبيّن تمام مرامه على تقدير إرادة المقيد ، إذن فعلى تقدير كون مرامه المقيّد ، يلزم الخلف ، وهذا معناه ، بطلان الاحتمال والتفسير الأول.
ولو فرض أنّ هذا المتكلم بيّن الخلاف ، بأن جاء بمطلق وعام وضعي فقال : «أكرم العالم ولا تكرم أيّ فاسق» ، فهل يبقى الخلف لو أراد المقيّد أم أنّ الخلف يرتفع؟
فإن ارتفع الخلف يثبت الاحتمال الثاني ، وإن بقي يثبت الاحتمال الثالث.
وحينئذ قد يقال : إنّ إرادة المقيّد من «أكرم العالم» لا يلزم منه الخلف ،