ونحن إذا أردنا أن نحسب حساب ما صدر من كلامه حتى الآن ، نرى انّ هذا الاحتمال غير معقول ، إذ لا يعقل أن يكون المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بمجموع ما صدر منه حتى الآن من كلام ، لأنّه إذا فرض أنّه قال يوم الجمعة : «أحلّ الله البيع» ، ثمّ لم يقل شيئا آخر يوم السبت ، ولكنه يوم الأحد قال ما يدلّ على التقييد ، حينئذ نسأل : إنّه يوم الأحد ما ذا كان مرام المتكلم ، أكان المطلق ، أم المقيّد؟ حينئذ ، إذا قال ما قال وهو في مقام بيان تمام مرامه بمجموع كلامه ، إذن ، المطلق يقول : أنا مرامه ، لأنّه لم يصدر منه قبل التصريح الأخير شيء ، وهنا ، التصريح الأخير يقول : أنا مرامه ، لأنّي قرينة على التقييد ، وحينئذ ، يلزم أن يكون لكلامه الواحد مرامان متهافتان ، وهذا غير معقول ، لأنّ الخطاب الواحد ليس له إلّا مفاد واحد.
والخلاصة هي ، أنّه لا يعقل أن يكون المتكلم في مقام البيان بمجموع الكلام الصادر منه حتى الآن ، وذلك لأنّه يلزم أن يكون له مرامان متهافتان من كلام واحد ، هما : الإطلاق قبل ورود القيد ، والمقيّد بعد ورود القيد ، وهذا تهافت ، إذن فهذه الصيغة غير معقولة.
هذا مضافا إلى أنّه يرد عليها النقض بعد فرض تعقلها ، وذلك فيما إذا احتمل أنّ القرينة صدرت فعلا ولكنها لم تصل إلينا ، فهنا نسأل : إنّه هل يريدون من القرينة المنفصلة القرينة الصادرة واقعا وإن لم تصل ، أم أنّهم يريدون خصوص القرينة الواصلة إلينا؟
وحينئذ ، بناء على الأول ، يلزم منه أنّه لو احتمل أنّ المولى قد صدر منه قيد لكنه لم يصل ، إذن فلا يمكن التمسك بالإطلاق ، لأنّ مقدمات الحكمة غير محرزة.
وبناء على الثاني ، وهو فيما لو أرادوا من كلامه ، القرينة الواصلة إلينا فقط ، فهذا واضح البطلان ، لأنّ وصول الكلام وعدمه لا دخل له في تشخيص مرام المتكلم وظهور كلامه ، وإنّما له دخل في المعذريّة والمنجزيّة ، ولهذا ، فقد يصل إلى شخص ولا يصل لآخر ، إذن ، فالصيغة الثانية أيضا باطلة نقضا وحلّا.