٢ ـ النوع الثاني : من القسم الأول ، وهو ما إذا كان كلّ من الدليلين مجمل بالذات ، وكان هذان الدليلان المجملان على نحو ، بحيث أنّ بعض محتملات كلّ منهما يتطابق مع بعض محتملات الآخر ، ولكن بعض محتملات كلّ منهما يتعارض مع بعض محتملات الآخر ، أي أنّه كان في كلّ دليل منهما احتمالان ، وعلى تقدير حملهما على أحد احتماليهما لا يتعارضان ، وعلى تقدير حملهما على احتماليهما الآخرين يتعارضان.
ومثال هذا النوع روايات «الكرّ» كما وردت في الأخبار (١) لا كما مثّلنا سابقا ، حيث أنّ صحيحة محمّد بن مسلم تقول : «الكرّ ستمائة رطل» وبلا أيّ قيد ، ومرسلة ابن أبي عمير تقول : «الكرّ ألف ومائتا رطل» وبلا قيد أيضا.
وحينئذ نقول : إذا حملت الرواية الأولى على المكّي ، والثانية على العراقي ، فهما متّفقتان ، لأنّ الرطل المكّي ضعف الرطل العراقي ، وأمّا إذا عكسنا الأمر أو حملناهما معا على المكّي ، أو معا على العراقي ، فهما متعارضتان ، وحينئذ ، في مثل هذا ، هل يمكن رفع الإجمال بذلك الحمل وتعيين الحكم؟
لا إشكال في هذه الفرضية في حجية كلا الدليلين على إجمالهما ، وذلك لأنّ ما يسقطهما عن الحجية إنّما هو التعارض ، والتعارض غير محرز بينهما في المقام وإن كان محتملا ، ومجرّد احتمال التعارض لا يوجب سقوطهما عن الحجية إلّا إذا كان محرزا ، إذ المناط في السقوط هو إحراز المعارض ، وحينئذ إذا ثبتت حجيّة كلّ من الدليلين بدليل الحجية ، فيكون عندنا قضيتان مجملتان.
وحينئذ نقول : إنّه يمكن رفع الإجمال في المقام بوجه يتمّ حتى لو فرض أنّنا أمضينا الإشكال وسلّمناه في النوع السابق ، وذلك بأن نقول :
إنّنا لا نريد هنا أن نحمل الرطل في رواية الستمائة على المكّي ،
__________________
(١) الوسائل ـ ج ١ ـ م ١ ـ ص ١٢٣ ـ ١٢٤ ـ باب ١١ ـ مقدار الكر بالأرطال.