من جريان مقدمات الحكمة لنفي القيود الزائدة ، وإثبات أنّ هذا الكلّي وقع موضوعا للحكم على إطلاقه كما تجري في كلّي البيع إذا وقع موضوعا للحكم بالحليّة.
وكنّا قد ذكرنا في آخر التقريب الأول من الوجه الرابع ، أنّه بقي سؤال ، مفاده هو ، أنّه ما هي تلك القرينة الحكميّة التي تثبت أنّ المحدّد النوعي هو أوسع المحدّدات دون غيره؟.
وهنا ، نعطي الجواب عن هذا السؤال فنقول : إنّ مفاد الجمع على ما بينّا سابقا ، هو كلّي الكثرة القابلة للتعيين في أيّ حد ، ووظيفة مقدمات الحكمة ، هي نفي الحدود ، لكن تارة ، يكون نفي الحدود عن ذوات الأفراد المتكوّن منها الكثرة ، وأخرى يكون نفيها ، عن نفس الكثرة بما هي.
والأول : مرجعه إلى نفي لحاظ الأوصاف والخصوصيّات الطارئة على الفرد ، وحينئذ فإنّ غاية ما ينتج إجراء مقدمات الحكمة هو ، إطلاق الأحول بالنسبة إلى هذه الأفراد ، وهذا لا يعطينا نظرة أشمل للأفراد ، بل يعطينا نحو تعرية لها من القيود.
ومن هنا ، نشأ الإشكال.
والثاني ، مرجعه إلى نفي القيود ـ وهي المحدّدات الكميّة والنوعية ـ عن الكثرة ، وهذا يعني ، أنّ الكثرة التي تشكل موضوعا للحكم في مقام الإثبات ، لم يؤخذ معها محدّد من المحدّدات ، إلّا ذات مدلول المادة.
فمثلا لفظ «العلماء» ، لا يمكن شموله ـ «للجهال» ـ وبمقتضى اصالة التطابق بين مقامي الثبوت ، والإثبات ، يثبت أنّ المحدّد المأخوذ في مقام الثبوت وهو «العلم» في المثال ، أي المحدّد النوعي الذي هو أوسع المحددات النوعية أيضا هو مدلول المادة فقط ، وهذا معناه ، الاستغراق.
إذن أيّ محدّد آخر يزيد على ذلك هو ، منفيّ بمقدمات الحكمة واصالة التطابق ، ولذا نرى كثرة ، محدّدها «العالميّة» ـ في المثال ـ فقط ، وهي كثرة استغراقيّة ، وهكذا تثبت المقدمات الرؤية الأوسع للأفراد.