وثالثا : إنّ ما ذكره من البرهان بالتقريب المتقدّم ، فهو لو تمّ ، فإنّما يتمّ في الشبهة الموضوعية لا الحكمية ، وحينئذ يكون الحق معه في ذلك.
يعني لو فرض أنّ هذا المكلّف قطع بخمرية الماء فشربه ، فهنا يقال : إنّه كان يريد شرب الخمر الواقعي ، وشرب الخمر الواقعي لا يستلزم شرب مقطوع الخمرية ، إذن فشرب مقطوع الخمرية ليس مقصودا ومرادا له حتّى بناء على التلازم.
وأمّا في الشبهة الحكمية : لو سلم المبنيان ـ مبنى معنى اختيارية الفعل ، ومبنى استلزام إرادة شيء لإرادة ملازمه ـ فأيضا يتجه النقض بالتجري في الشبهة الحكمية ، كما لو فرض أنّه قطع بأن شرب التتن حرام فشربه ، ولم يكن حراما في الواقع ، فهنا تعلّقت إرادته وشوقه بعنوان شرب التتن ، وهذا العنوان يستلزم عنوان معلوم الحرمة ، لأنّ شرب التتن معلوم الحرمة عنده ، إذن فهو يريد شرب التتن ، وهو مستلزم لعنوان شرب معلوم الحرمة ، إذن فهو يريد شرب معلوم الحرمة ، فيكون قبيحا.
فالبرهان الّذي ذكره إنّما يتمّ في الشّبهات الموضوعية فقط ، بل حتّى التجري في الشّبهات الموضوعية غير مطّرد هذا البرهان.
إذ قد يفرض انّ إنسانا كان له شوق لشرب مقطوع الخمرية ولو لغرض شخصي فيه ، ففي مثله يكون هذا العنوان اختياريا حتّى على مبنى الخراساني «قده» فيقبح.
والوجدان لا يساعد على الفرق بين هذه الصورة وغيرها من صور التجري ، وهذا منبه على قبح كلّ فعل متجرّى به.
بل يورد أيضا فيقال : إنّ هذا الفعل الصادر من المتجري في الشبهة الموضوعية ، هل يدّعي صاحب الكفاية انّ حيثية من حيثياته