وثانيا : إنّ الفاعل كما يحسب حساب العناوين الأولية الّتي هي متعلق غرضه ، كذلك يحسب عادة ويلتفت إلى العناوين الّتي يترقب أن تنطبق على فعله وتكون مانعة له عن تحصيل غرضه.
فمثلا : لنفرض إنّ هذا الإنسان عطشان ، وهو يقطع أنّ أمامه ماء ، وله غرض فيه ، إذن هو حينئذ يتوجه إلى عنوان «شرب الماء» لا إلى قطعه بل إلى مقطوعه ، ولكن إذا فرضنا انّ هناك عناوين أخرى يترقب أن تكون مانعة له عن تحصيل غرضه ، من قبيل أن يكون بينه وبين الماء حاجز مثل برودة الماء الضارة ، أو طعمها المؤذي ، أو وجود طاغية يمنع من شربها ، إلى غير ذلك من الحيثيّات ، إذن فهنا لا محالة يلتفت إلى هذه الحيثيّات ، وحينئذ ، فهو تارة يصدّق بمانعيّة هذه الحيثيّات فيحتاط ، وأخرى لا يتحفظ ، بل يقتحم هذه العناوين الّتي يحتمل أن تكون مانعة ويشرب حالة كونه ملتفتا إلى هذه العناوين الّتي يترقب أن تكون مانعة له عن شرب الماء ، ومن جملة هذه العناوين المانعة عن الشرب بالنسبة للمكلّف المتدين القاطع بخمرية هذا المائع ، هو كون فعله تجرؤا ، وكون حرمة مقطوع الخمرية منجز عليه ، وانّ شربه حرام ، فيحسب حسابه أيضا ، وحينئذ قد يقدم وقد لا يقدم ، إذن فعنوان معلوم الحرمة لا بدّ من الالتفات إليه تفصيلا ، لا سيّما وانّه مؤمن ، ففرضه متعلّق بعدم عصيان المولى ، إذن فلا محالة من التفاته إلى كل هذه العناوين ومنها عنوان معلوم الحرمة ، وهذا الالتفات كاف في أن يكون صدور الفعل منه اختياريا في مقام التجري.
٣ ـ البرهان الثالث : للآخوند «قده» (١) يقول فيه : إنّ التجري لم يصدر من فعل اختياري على الإطلاق ، ليتصف بالحسن أو القبح ،
__________________
(١) كفاية الأصول : الخراساني ، ص ٢٦٢.
درر الفوائد : الخراساني ، ص ١٣.