المهمل لم يصدر منه إلّا التجري ، إذن فلو لم نقل بحرمة التجري ، لم يكن هناك وجه لتسجيل هذا الإثم على هذا المكلّف.
٢ ـ الفرع الثاني : هو أنّهم اتفقوا على أنّ من ظنّ الخطر في طريق ، أو سفر (١) ، لو سلك ذلك الطّريق ، فقالوا : إنّ سفره سفر معصية ، ويجب عليه إتمام صلاته ، حتّى لو كان في علم الله لا خطر في طريقه وسفره ، مع أنّه بحسب الحقيقة لم يصدر منه عصيان بعد انكشاف عدم الخطر ، ومن الواضح أنّه لا وجه لهذا الحكم إلّا حرمة التجري ، لأنّ الحكم قد تنجز عليه بالظن الّذي هو أدنى فردي الرجحان ، فيشمل القطع بالخطر.
فاتفاقهم في هذين الفرعين لا يتمّ إلّا بناء على حرمة التجري.
ولكن هذا غير تام لوجوه.
١ ـ الوجه الأول : هو انّ هذه الفتوى في كلا الفرعين لا ينحصر تخريجها بالقول بحرمة التجري ، بل يمكن افتراض أنّهم طبّقوا مباني أخرى لاستخراج هذه الفتوى.
فمثلا : بالنسبة للفتوى الأولى ـ وهو من ظنّ ضيق الوقت ـ فلعلّ إثمه إنّما كان باعتبار عصيانه لخطاب من الخطابات الواقعية ، وهو خطاب ـ حافظوا على الصلوات ـ وهذا غير خطاب «صلّ» كما استفاد هذا بعضهم وذهب إليه ، وخطاب المحافظة هذا ، يدلّ على انّ المحافظة على الشيء ، معناه : التحرز عليه ، والاحتياط له بحسب شأنه ، وحينئذ قد يستفاد وجود حكم واقعي ، وهو وجوب صلاة الظهر ، وحكم آخر هو وجوب المحافظة عليها.
__________________
(١) فرائد الأصول : الأنصاري ، ج ١ ، ص ٨.