وهذا المكلّف وإن لم يعص الخطاب الأول ، لكنّه عصى الخطاب الثاني ـ وجوب المحافظة ـ سواء كان الوقت واسعا أو لم يكن ، وبهذا يكون عمله هذا عصيانا للخطاب الثاني.
وهناك احتمالات أخرى حيث قيل على سبيل المثال : بأنّه لم يرد التصريح في كلماتهم جميعا بكون هذا التأخير معصية ، إذ بعضهم وإن صرّح بالمعصية ، ولكن البعض الآخر اكتفى بذكر استحقاق العقاب دون أن يذكر المعصية ، وحينئذ يقال : بأنّه لو تمّ إجماع فإنّما يتمّ على استحقاق العقاب ، وهو لا يستلزم حرمة التجري ، لأنّ التجري وإن كان قبيحا وموجبا لاستحقاق العقاب ، لكن لا نقول بحرمته.
وأمّا الفتوى الثانية : فأيضا ، يمكن القول ، بأنّ مدركها لعلّه البناء على أنّ العنوان الّذي يوجب التقصير والإتمام ، ليس هو عنوان سفر المعصية وغير المعصية ليقال : إنّ هذا المكلّف لم يصدر منه معصية أو صدر منه ، وإنّما قد يكون مدركها ما ورد في بعض الرّوايات الصحيحة الّتي أخذ في عنوانها «مسير حق».
ومن الواضح أنّ مسير المتجري ليس مسير حق ، وسواء كان معصية أو لم يكن ، فإنّه ظلم للمولى ، وظلم المولى غير حق.
وعليه : فلا يمكن استكشاف حرمة التجري من هذين الفرعين ، إذ لعلّهم اعتمدوا على هذه الرّوايات.
إذن : فوجه الفتوى غير منحصر في حرمة التجري.
٢ ـ الوجه الثاني : هو انّ هذا الإجماع غير ثابت ، لأنّ القدر المتيقن من هذا الإجماع ، هو إجماعهم على استحقاق العقاب لا أكثر وهو أعم من الحرمة ، أمّا الإجماع على أنّه يعتبر عاصيا ، فهذا غير ثابت ، نعم نقل الإجماع على مثله ، وأنت خبير بأنّ الإجماع المنقول غير حجّة.