وإن شئت قلت : إنّه إنّما يتمّ هذا التخريج ، لو تمّت أصوله الموضوعية في خصوص باب الإمارات المجعولة فيها الحجيّة والطريقية دون غيرها من موارد الأحكام الظّاهرية (١).
وثانيا : فإنّ هذا الجواب إنّما يتمّ في الإمارات بناء على أنّ جعلها إنّما هو من باب الطريقية ، ليكون مؤدّاها واقعيا ، وأمّا إذا كان بلسان جعل الحكم المماثل ، أو بلسان المعذريّة والمنجزيّة ونحو ذلك ممّا هو مختار بعض العلماء ، أي أنّ الحجيّة تكون بمعنى جعل ما ليس بعلم علما ، فلا يتمّ حينئذ هذا الجواب.
وثالثا : فإنّ هذا الجواب لا يتمّ في الإمارات حتّى بناء على مسالك جعل الطريقيّة والعلميّة لها ، وذلك لأنّ القطع «الموضوع» للحكم بجواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم ، لا يكفي فيه مجرد كونه عالما كيفما اتفق ، بل لا بدّ وأن يكون عالما وقطعه عن خبرة وبصيرة وكونه من أهل الفن ، لا مطلق القطع ، ومن هنا : لو قطع العالم بحكم عن طريق غير معتبر كالرؤيا ، والرمل ، وحساب الأعداد وغيره ، فإنّ قطعه هذا حجّة على نفسه ، لكن لا يجوز لغيره الرّجوع إليه في هذا الحكم ، لأنّه وإن كان عالما به ، إلّا أنّ علمه ليس علم خبرة.
إذا عرفت ذلك نقول : إنّ دليل حجيّة الخبر ، يجعل المجتهد عالما بوجوب السورة مثلا ، لكن لا يجعله عالما عن خبرة ، أي أنّ دليل الحجيّة لا يعبد المفتي بكونه أهل خبرة وأهل الفن ، وإن جعله عالما تعبّدا.
والحاصل : هو أنّ الحكم الّذي هو عالم به عن خبرة هو مختصّ به ، والحكم الشامل له ولغيره ليس عالما به علم خبرة.
__________________
(١) فوائد الأصول : الكاظمي ، ج ٢ ، ص ٧.