وهذا البرهان كان هناك غير صحيح ، ولكنّه هنا صحيح.
أمّا عدم صحته هناك ، فلأنّ المفروض أنّ الحرمة المترتبة على القطع غير الحرمة المقطوعة ، إذن فقد يقال : إنّه من اجتماعهما يلزم التأكد ، والمكلّف قد لا يتحرك عن تكليف واحد ، ولكنّه يتحرك عن التكليف الأشد الأقوى ، وحينئذ فلا يلزم محذور اللغوية هناك.
ولكن هذا بخلافه هنا في المقام ، فإنّ المفروض أنّه قد أخذ القطع بالتكليف في موضوع شخصه ، إذن ، ثبوت هذا التكليف لا بضم تكليف إلى تكليف آخر ، أي يتعيّن نفس التكليف ، فتكون صورة البرهان هنا أوضح ، لأنّ المكلّف لا يستطيع أن يحمل إلّا تكليفا واحدا ، سواء جعل عليه هذا الحكم أم لا ، وجعل هذا الحكم لا يزيد في عدد التكاليف ، فيقال : إنّ هذا القاطع إن كفاه هذا القطع للتحريك ، فلا فائدة لجعل شخص الحكم ، وإن لم يكفه فالأمر كذلك.
ولكن يرد على الوجه الثاني بأن يقال : إنّ فائدة جعل الحكم في المقام هو ، إيجاد هذا العلم.
وتوضيحه هو ، إنّ هذا البيان الّذي بين في الوجه الثاني يمكن إيراده في جميع الموارد حتّى بالنسبة إلى حكم لم يؤخذ القطع به في موضوع شخصه ، فمثلا : وجوب الصّلاة المترتب على طبيعي المكلّف ، سواء كان قاطعا أو جاهلا ، وحينئذ نقول : بأنّ وجوب الصّلاة إنّما يترقب أن يؤثر بالنسبة إلى من انكشف له الوجوب ووصل إليه بمرتبة من المراتب ، وأمّا من لم يصل إليه ، فالوجوب ليس مؤثرا ، ومن وصل إليه الوجوب ، فهو على كلّ حال سوف يتحرك ، سواء كان هناك وجوب أم لا ، إذن جعل وجوب الصّلاة لغو ، وأمّا من لم يصل إليه الوجوب ، فحينئذ سواء كان وجوب أم لا ، سوف لا يتحرك ، إذن فهذا الجعل لغو على كلا التقديرين.