أعلم ، فهنا : وإن حصل له يقين ، ويكون يقينه هذا معذرا ومنجزا بالنسبة إليه ، إلّا أنّه لا يجوز لغيره من العوام أن يرجعوا إليه بعد فرض اطلاعهم على كونه جاهلا مركبا.
وبهذا يتبرهن أنّه لا يجوز تقليد المفضول بكلا قسميه.
وقد يقال في مقام الجواب عن هذا الإشكال : بأنّ المفضول العالم بحقيقته ، إذا رجع إلى الأعلم ، فليس معنى هذا أنّه يخطّئه في الحكم ، وإنّما يخرجه من موضوع إلى موضوع ، حيث ينقلب حكمه الظّاهري ، لأنّه سوف يرتفع عدم وجدانه للحجّة على الخلاف بوجدانه لها ، فمثلا : المفضول الّذي لا يجد دليلا على حرمة العصير العنبي إذا غلى ، تجري في حقّه البراءة ، وهذا الأصل حينئذ جار في حقّه حقيقة ، لكنّه إذا رجع إلى الأعلم ، فإنّه ينبّهه إلى وجود دليل على الحرمة لم يكن المفضول ملتفتا إليه ، فبهذا التنبيه يخرج المفضول عن كونه موردا للبراءة ، لأنّه خرج عن كونه غير عالم بالحرمة ، إلى كونه عالما بها ، وهذا نقل له من موضوع إلى موضوع آخر وليس تخطئة له بالحكم ، لأنّ أصل البراءة كان جار في حقّه حقيقة قبل اطّلاعه على دليل الحرمة ، وعليه فلا مانع من حصول اليقين بالحكم بالنسبة إلى المفضول.
إلّا أنّ هذا الكلام غير صحيح :
أمّا أولا : فلأنّ ما ينكشف بالمباحثة مع الأعلم قد لا يكون من باب رفع الموضوع ، بل قد يكون بتبديل المحمول والحكم ، مع حفظ الموضوع ، كما لو كان هناك خطأ في تشخيص الحكم الواقعي أو الظّاهري ، بأن كان قطعه به خاطئا ، كما لو كانت المسألة عقليّة ، كما لو فرض أنّه كان يرى استحالة الترتب ، والأعلم يرى إمكانه ، فهو يحتمل لو تباحث معه لأقنعه بإمكانه ، وهكذا لو كان جازما بظهور عرفي وهو غير صحيح ، وهكذا في كثير من موارد الأحكام الواقعية والظّاهرية.