وأمّا ثانيا : فلأنّ ما مثّل به ، وهو حرمة العصير العنبي إذا غلى ، فهو أيضا غير صحيح ، لأنّ هذا المفضول لم يكن من حقّه إجراء أصالة البراءة من أول الأمر ، وذلك لأنّ البراءة مشروطة بالفحص ، ولمّا كان يعتقد بوجود من هو أعلم منه ، فلا بدّ وأن يرجع إلى الأعلم قبل إجراء البراءة ، وعليه : فيرجع الإشكال.
ويمكن القول : بأنّ مثل هذا المجتهد المفضول جاهل ، لأنّه لا يحصل له اليقين بالحكم ، وحينئذ ، فيجب عليه التقليد فضلا عن عدم جواز إفتاء غيره والرّجوع إلى الأعلم من باب رجوع الجاهل إلى العالم ، وبهذا تشكل العبارة الّتي تسطّر في إجازات الاجتهاد من «انّه يحرم عليه التقليد» ، وإن كان في النّفس من العبارة شيء.
ويمكن الإجابة عنه وتصوير إمكان حصول اليقين بالحكم بالنسبة للمفضول ، وذلك لأنّ كل ما تقدّم كان مبنيا على كون المجتهد المفضول يعترف بكونه مفضولا ، وأمّا إذا كان لا يرى نفسه مفضولا فلا إشكال بالنسبة إليه ، ولكن الإشكال حينئذ في تقليد العامي له ورجوعه إليه حيث أنّه ليس من أهل الخبرة لكونه جاهلا بالنسبة إلى الأعلم ، إذ ما قد يتيقّن منه من الحكم الأعمّ من الواقعي والظّاهري قد يكون نتيجة جهله المركب ، ومثل هذا العلم المستند إلى الجهل المركب لا يكون مشمولا لدليل رجوع الجاهل إلى العالم.
وتوضيح ذلك هو ، أن يقال : بأنّ هذا الإشكال كان مبنيا على كون الأعلمية تقتضي وجود التفاتات وانتباهات لدى الأعلم بها يمتاز الأعلم عن المفضول ، وكل هذه الالتفاتات واقعة في موارد الاختلاف بين الأعلم والمفضول والّتي لأجلها قيل بعدم حصول اليقين للمفضول ما دام يحتمل أنّ الأعلم يبينها له إذا رجع إليه.
وأمّا في موارد الاتفاق ، فيكون بنفسه دليلا على التفاتهما