وتنبههما معا إلى جميع هذه النكات ، إلّا أنّ فرض وجود هذه الانتباهات كلّها في موارد الاختلاف بينهما أمر غير مبرهن ، لاحتمال أن تكون هذه الانتباهات كلا أو بعضا في موارد الاتفاق ، إذ ربّما يتفقان في النتيجة مع خطأ غير الأعلم في طريقة الاستدلال ومنهجيته ، وحينئذ ، فمن المعقول أن يحصل للمجتهد غير الأعلم يقين بالحكم الأعمّ من الواقعي والظّاهري في مسألة ، بنحو يخالف رأي الأعلم رغم اعترافه بالمفضولية ، وذلك لعدم احتمال أن يكون شيء من تلك الالتفاتات والانتباهات في تلك المسألة الّتي خالف فيها الأعلم بالخصوص ، فإنّنا إذا أجرينا حساب الاحتمال يظهر أنّه لا مانع من حصول اليقين للمفضول في الحكم في موارد الاختلاف مع الأعلم.
ولتوضيح ذلك ، نذكر مثالا : لنفرض أنّ مجموع المسائل وعمليات الاستدلال المستنبطة في كل منها كثيرة ، بحيث لا تشكّل موارد الاختلاف بينهما إلّا جزءا ضئيلا ، بحيث يكون احتمال وقوع خطأ فيها ـ نتيجة عدم انتباهه ـ ضعيفا بدرجة يكون الاطمئنان على خلافه ، فمثلا : لو فرض أنّ مجموع المسائل الشرعيّة تسعة ، ونفرض أنّ لكلّ مسألة خمسة أدلة ، ومعنى ذلك ، أنّه يوجد في كلّ مسألة خمس عمليّات استدلالية ، قد تكون خاطئة ، وقد تكون صائبة ، وعليه : فيكون مجموع العمليات الاستدلالية في المسائل التسعة ، خمسة وأربعون عمليّة ، وكل من الأفضل والمفضول مارس مجموع هذه العمليات ، وتبيّن في النتيجة أنّهما اتفقا في ست مسائل ، واختلفا في ثلاثة منها ، وهذا المفضول يعلم بوجود انتباهات لدى الأعلم قد غابت عنه ، ولنفرض أنّ تلك الانتباهات هي ثلث مجموع العمليات الاستدلالية ، أي أنّه في كل ثلاث عمليات يعلم بوجود انتباه ، ونتيجة ذلك ، انّ ما يتميّز به الأعلم هو خمسة عشر انتباها ، وهذه الخمسة عشر يحتمل وجودها في ضمن المسائل الاتفاقية ،