والمفروض أنّ البائع لم يقبض ثمنه ، والمشتري ممتنع عن دفع الثمن ، إذن ، يثبت للبائع حقّ الفسخ حينئذ ، واسترجاع الكتاب ، وإن كان الواقع هو الهبة ، فالمفروض أنّها جائزة ، وحينئذ ، فنفس إنكارها يعدّ رجوعا فيها ، وبهذا يكون الكتاب قد رجع رجوعا واقعيا إلى مالكه الأول ، وحينئذ ، لو فرض أنّ شخصا ثالثا أخذه ، إذن فقد أخذه من مالكه الواقعي.
وأمّا إذا كانت الهبة لازمة ، فحينئذ ، يكون كل منهما منكرا لما يدّعيه الآخر ، فيصير المورد من موارد التحالف ، والتحالف من أسباب انفساخ المعاملة واقعا ، وبه يرجع الكتاب إلى مالكه الأول واقعا ، ولا إشكال.
والجواب : هو انّ ما أفاده بالنسبة إلى ما إذا كانت الهبة جائزة ، فصحيح ، وأمّا بالنسبة إلى ما إذا كانت الهبة لازمة فهو غير صحيح ، بل الصحيح هو انّ المورد ليس من موارد التحالف لأنّ مورد التحالف (١) إنّما يكون فيما لو ادعى كل من المتخاصمين شيئا على الآخر ، والآخر ينكره ، والمقام ليس من هذا القبيل ، لأنّ المدّعي هو صاحب الكتاب فقط ، حيث يدعي شيئا بالبيع على مدّعي الهبة ، أمّا مدّعي الهبة ، فإنّه لا يدّعي شيئا على صاحب الكتاب ، وإنّما ، صاحب الكتاب ، وصاحب الهبة كلاهما ، متفقان فعلا على انّ الكتاب ملك لمدّعي الهبة ، ويختصّ صاحب الكتاب بدعوى استحقاقه الثمن في ذمّة الآخر ، فهو مدّعي والآخر ينكر ، كما انّ صاحب الكتاب يدّعي حقّ استرجاع الكتاب ، لأنّه لم يقبض الثمن من الآخر ، والآخر ينكر ذلك ، إذن فهناك حقّان يدّعيهما الأوّل على الثاني ، وأمّا مدّعي الهبة ، فهو يدّعي ملكيته للكتاب ، وهذا شيء لا ينكره الأوّل.
__________________
(١) اللّمعة الدمشقية : الشهيد الثّاني ، ج ٣ ، ص ٥٣٩.