نعم هناك فرق بين مورد الإقدام على الظلم ، مع تحققه ، وبين الإقدام على الظلم من دون تحققه ، وهو أنّه إذا أقدم على الظلم وكان الظلم متحقّقا ، بأن نفرض أنّه عصى تكليف المولى ، فهو هنا ارتكب قبيحا يستحقّ عليه العقاب التأديبي من كل عاقل ، وإضافة لهذا يوجد له مظلوم وهو مولاه ، والعقل يدرك هنا أيضا أنّ المظلوم له حق التعويض والقصاص ممّن ظلمه ، ولهذا نجد انّ هذا الإنسان الّذي يظلم أباه مثلا ، كلّ النّاس يذمّونه بملاك التأديب ، لكن أبوه يذمّه بملاك التأديب بما هو عاقل ، وبملاك القصاص بما أنّه مظلوم.
وهذا بخلاف موارد الإقدام على الظلم دون تحقق الظلم في الواقع ، كمن يجحد نعمة من يتخيّل أنّه منعم عليه ، فهنا صدر منه قبيح ويستحقّ عليه العقاب التأديبي من العقلاء ، لكن العقاب القصاصي من المظلوم لا يستحقّه ، إذ لا مظلوم في الواقع في المقام ، أمّا القبح فلا يفرّق فيه بين الإقدام على الظلم وتحقّقه ، أو عدم تحقّقه ، بناء على التصور الثالث.
وفي مقابل هذا المسلك الّذي سلكناه يوجد مسلكان آخران :
١ ـ المسلك الأول : وهو ظاهر كلمات الشّيخ الأعظم «قده» (١) في الرّسائل ، حيث ذهب إلى إنكار هذا القبح رأسا في الفعل المتجرّي به ، حيث انّه يرى أنّه في الفعل المتجرى به لم يصدر منه ظلم أصلا ، وإنّما هناك سوء سريرة انكشفت بهذا الفعل المتجرّى به. إذن ، فقبح هذا الفعل ، بسبب كشفه عن سوء السريرة ، لا أنّه هو قبيح ، فالفعل المتجرى به ليس قبيحا إلّا بما هو كاشف عن شيء قبيح ، وهذا نظير الكلمات القبيحة الكاشفة عن معانيها القبيحة ، وقبح الكاشف بما هو كاشف ، أمر عرضي مجازي.
__________________
(١) فرائد الأصول : الأنصاري ، ص ٨.