وحينئذ نقول : إن كان هذا هو مقصوده ، فيردّ عليه :
أولا : انّه لا معنى لتقسيم الحسن والقبح إلى «فعلي وفاعلي» ، فإنّ هذا معناه ، أنّه يتصور انّ الفعل في نفسه بقطع النظر عن إضافته إلى فاعل مخصوص يتصف بالحسن والقبح ، مع أنّه من الواضح بطلان هذا التصور ، لأنّ الحسن والقبح إنّما يضافان إلى الفعل بلحاظ صدورهما من الفاعل.
وكأنّ هذا التقسيم ناشئ من الخلط بين الحسن والقبح ، وبين المصلحة والمفسدة ، إذ أنّ المصلحة والمفسدة موضوعهما هو الفعل في نفسه فهو الّذي يتصف بالمصلحة والمفسدة ، وأمّا الحسن والقبح فإنّ موضوعهما الفعل بما هو مضاف إلى فاعله ، ولا يتصور فيهما حسنا وقبحا بقطع النظر عن الفاعل ، بل قد يكون الحسن ذا مفسدة ، والقبح ذا مصلحة ، كما في التجرّي والانقياد على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
إذن فمتعلق الحسن والقبح إنّما هو فعل الفاعل ، لا فعل مقطوع النظر فيه عن الفاعل ، فلو وقع فعل بلا فاعل ولو محالا ، فلا معنى لحسنه وقبحه ، ولا معنى لاستحقاقه الثواب عليه والعقاب ، لأنّه لا وجود لشخص فاعل يثاب ويعاقب ، بينما لو وقع فعل بلا فاعل ، فهذا قد يكون فيه مصلحة ، إذن ، فباب المصلحة غير متقوم بإضافة الفعل إلى الفعل ، إذن ، فهناك مصلحة فعليّة ، ومصلحة فاعلية ، لكن الحسن والقبح باعتبار رجوعهما إلى استحقاق الثواب والعقاب ، فهما متقومان بالفاعل ، إذن فلا معنى لتقسيمهما إلى فعلي وفاعلي ، لأنّ القبح والحسن هما ما يذمّ ويمدح عليهما الفاعل ، وهذا لا يكون إلّا بعد إضافتهما إلى فاعل ، وليس الفعل في نفسه.
وثانيا : لو سلّمنا بهذا التقسيم ، أي بقبح فعلي متعلق بذات الفعل ، وقبح فاعلي متعلق به بما هو مضاف إلى الفاعل ، فإنّه مع هذا يأتي الإشكال الثاني ، وهو أن يقال حينئذ :