وهذا التفسير أولى. قال ابن عباس وابن مسعود : ما زاد داود على أن قال للرجل : انزل عن امرأتك وأكفلنيها .. فعاتبه الله على ذلك ونبهه عليه. وأنكر عليه شغله بالدنيا ، وهذا هو الذي ينبغي أن يعوّل عليه من أمره. وقد قيل خطبها على خطبته ، وقيل بل أحب بقلبه أن يستشهد. وحكى السمرقنديّ أن ذنبه الذي استغفر منه قوله (لَقَدْ ظَلَمَكَ) فظلمه بقول خصمه. وقيل : بل لما خشيه على نفسه ، وظن من الفتنة بما بسط له من الملك والدنيا. وإلى نفي ما أضيف في الأخبار إلى داود من ذلك ـ ذهب أحمد بن نصر وأبو تمام ، وغيرهما من المحققين. قال الداوديّ : ليس في قصة داود وأوريا خبر يثبت. ولا يظن بنبي محبة قتل مسلم. وقيل : إن الخصمين اللذين اختصما إليه ، رجلان في نتاج غنم على ظاهر الآية. وقيل : بل لما خشي على نفسه وظن من الفتنة لما بسط له من الملك والدنيا. انتهى.
وقال ابن القيم في أواخر كتابه (الجواب الكافي) في مباحث العشق : وقد أرشد صلىاللهعليهوسلم المتحابين إلى النكاح. كما في سنن ابن ماجة (١) مرفوعا : لم ير للمتحابّين مثل النكاح. ونكاحه لمعشوقه هو دواء العشق الذي جعله الله دواءه شرعا وقدرا. وبه تداوى نبيّ الله داود صلىاللهعليهوسلم ولم يرتكب نبيّ الله محرما. وإنما تزوج المرأة وضمها إلى نسائه لمحبته لها. وكانت توبته بحسب منزلته عند الله وعلوّ مرتبته. ولا يليق بنا المزيد على هذا. انتهى.
وهذا منه تسليم ببعض القصة لا بتمامها. وهو من الأقوال فيها.
وأما دعوى بعضهم أن التوراة تعدّ داود ملكا حكيما ، لا نبيا ، بدليل ذكره في أسفار الملوك منها ، وما فيها من أنه بعث إليه نبيّ يقال له قاشان ، ضرب له المثل المذكور ـ فدعوى مردودة من وجوه : منها أن الاستدلال بالتوراة التي بين أيديهم في إثبات أو نفي لا يعول عليه. كيف لا؟ وقد أوتينا بيضاء نقية محفوظة من التغيير والتبديل بحمده تعالى. ومنها أن نبوة داود عليهالسلام لا خلاف فيها عند المسلمين ، فلا عبرة بخلاف غيرهم. ومنها أنه لا مانع أن تجتمع النبوة والملك لمن أراده الله واصطفاه. وقد فعل ذلك بداود وسليمان عليهماالسلام. ومنها أنه لا حاجة في كتابنا الكريم أن يتمم بما جاء في غيره ، أو يحاول رده إلى سواه من الكتب ، أو هي إليه ، لاستغنائه بنفسه. بل وكونه مهيمنا على سائر الكتب ، كما أخبر الله تعالى عنه ، فليتأمل ذلك. والله أعلم.
__________________
(١) أخرجه ابن ماجة في : النكاح ، ١ ـ باب ما جاء في فضل النكاح ، حديث ١٨٤٧ ..