الخامس ـ قال ابن كثير : اختلف الأئمة في سجدة (ص) هل هي من عزائم السجود؟ على قولين : أحدهما أنها ليست من العزائم ، بل هي سجدة شكر ، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إنها ليست من عزائم السجود ، وقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسجد فيها ، رواه أحمد والبخاري (١) وأصحاب السنن. وعنه أنه قال : إن النبيّ صلىاللهعليهوسلم سجد في (ص) وقال : سجدها داود عليه الصلاة والسلام توبة ، ونسجدها شكرا ، تفرد به النسائي (٢). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه. فلما كان يوم آخر قرأها. فلما بلغ السجدة تشزّن الناس للسجود. فقال صلىاللهعليهوسلم : إنما هي توبة نبيّ. ولكن رأيتكم تشزنتم ، فنزل وسجد. تفرّد به أبو داود (٣). وإسناده على شرط الصحيح ، وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) (٢٦)
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) أي استخلفناك على الملك في الأرض كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض البلاد ويملكه عليها ، ومنه قولهم : خلفاء الله في أرضه (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) أي هوى النفس ، من الميل إلى مال أو جاه أو قريب أو صاحب (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي صراطه الموصل إلى الكمالات ، كحفظ المملكة والنصر على الأعداء ، والنجاة في الآخرة ورفع الدرجات فيها (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) أي بسبب نسيانهم ، وهو ضلالهم عن السبيل ، فإن تذكره يقتضي ملازمة الحق ومخالفة الهوى.
تنبيه :
في الآية بيان وجوب الحكم بالحق ، وأن لا يميل إلى أحد الخصمين لقرابة أو رجاء أو سبب يقتضي الميل. واستدل بها بعضهم على احتياج الأرض إلى خليفة من الله. كذا في (الإكليل).
__________________
(١) أخرجه البخاري في : سجود القرآن ، ٣ ـ باب سجدة ص ، حديث ٥٨٩.
(٢) أخرجه في : الافتتاح ، ٤٨ ـ باب سجود القرآن ، السجود في ص.
(٣) أخرجه في : السجود ، ٥ ـ باب السجود في ص ، حديث رقم ١٤١٠.