مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩] ، والمعنى : لما بين وصفه الحق من أنه عبد مخلوق منعم عليه بالنبوة ، عبادته كفر ، ودعاؤه شرك ، إذ لم يأذن الله بعبادة غيره (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ) أي من مثله المضروب ووصفه المبين (يَصِدُّونَ) أي يعرضون ولا يعون (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) يعنون بآلهتهم الملائكة الذين عبدوهم ، زعما منهم أنهم بنات الله تعالى. كما ذكر عنهم ذلك في أول السورة. أي أنهم خير من عيسى وأفضل ، لأنهم من الملأ الأعلى والنوع الأسمى ، فإذا جازت عبادة المفضول وهو عيسى ، فبالأولى عبادة الأفضل وهم الملائكة. كأنهم يقررون على شركهم أصولا صحيحة. ويبنون على تمسكهم أقيسة صريحة. وغفلوا ، لجهلهم ، عن بطلان المقيس والمقيس عليه. وأن البرهان الصادع قام على بطلان عبادة غيره تعالى ، وعلى استحالة التوالد في ذاته العلية. وإذا اتضح الهدى فما وراءه إلا الضلال ، والمشاغبة بالجدال. كما قال تعالى : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً) أي ما ضربوا لك هذا القول إلا لأجل الجدل والخصومة ، لا عن اعتقاد ، لظهور بطلانه (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) أي شديد والخصومة بالباطل تمويها وتلبيسا. وفي الحديث (١)(ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل) وما ذكرناه في تفسير هذه الآية ، هو الجلي الواضح ، لدلالة السياق والسباق فقابل بينه وبين ما حكاه الغير وأنصف. ثم جلى شأن عيسى عليهالسلام ، بما يرفع كل لبس ، بقوله سبحانه :
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) (٥٩)
(إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) أي بالنبوة والرسالة (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي آية لهم وحجة عليهم ، بما ظهر على يديه ، مما أيّد نبوته ورسالته وصدق دعواه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) (٦٠)
(وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) أي بدلكم (مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) أي يكونون مكانكم. إيعاد لهم بأنهم في قبضة المشيئة في إهلاكهم ، وإبدال من هو خير منهم.
__________________
(١). أخرجه الترمذي في : التفسير ، ٤٣ ـ سورة الزخرف ، عن أبي أمامة.