فِيهِ) أي من أحكام التوراة وغيرها. كاختلاف اليهود في القيامة ، لعدم صراحتها في كتبهم. وقد جاء في نحوها آية (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) [آل عمران : ٥٠] ، وقد وضع عن اليهود شيئا من إصر التوراة وأغلال الناموس ، كما فعل في يوم السبت. خفف شدّة حكمه.
قال بعض المحققين : وإنما لم يقل (ولأبين لكم كل ما تختلفون فيه) لأنه لم يفعل ذلك. بل ترك بيان كثير من الأشياء ، كالفساد الذي دخل في أغلب كتبهم للفارقليط (محمد صلىاللهعليهوسلم) الذي يأتي بعده ، لعدم استعداد الناس في زمنه لقبول كل شيء منه. كما قال هو نفسه في (إنجيل يوحنا) في الإصحاح السادس عشر. وخصوصا إذا تعرّض للطعن في كتبهم ، وهي رأس مالهم الوحيد وتراث أجدادهم. ولو فعل ذلك لشكّ فيه الكثيرون منهم وكذّبوه ، ولما اتبعه إلا الأقلون أو النادرون ، فتضيع الفائدة من بعثته التي بيناها في المتن. وهي التي بعث من أجلها.
وأما قول الله تعالى عن لسانه (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) [آل عمران : ٥٠] ، فالمراد بمثل هذا التعبير ، أنه بمجيئه عليهالسلام تحققت نبوات التوراة عنه ، وبه صحت وصدقت. وكلمة (التوراة) تطلق على كتاب العهد القديم. فالمعنى أن مجيء عيسى كان وفق ما أنبأ به النبيون عنه من قبل. ولو لاه لما صدقت تلك النبوات ، فإنها لا تنطبق إلا عليه. وليس المراد أن عيسى يقرّ كل ما في التوراة ، كما يتوهم النصارى الآن من مثل هذه الآية. وإلا لما قال بعدها مباشرة (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) [آل عمران : ٥٠] ، فكيف يقرّها وهو قد جاء ناسخا لبعض ما فيها؟ فتدبر ذلك ولا تكن كهؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون. ويفسرون ما لا يفهمون. انتهى كلامه. وهو وجيه جدا.
(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) قال ابن جرير : أي إن الله الذي يستوجب علينا إفراده بالألوهية وإخلاص الطاعة له ، ربي وربكم جميعا. فاعبدوه وحده لا تشركوا معه في عبادته شيئا. فإنه لا يصح ولا ينبغي أن يعبد شيء سواه (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي هذا الذي أمرتكم به ، من اتقاء الله وطاعتي ، وإفراد الله بالألوهية ، هو الطريق القويم. وإذا كان هذا قول عيسى عليهالسلام ، فلا عبرة بقول الملحدين فيه والمفترين عليه ما لم يقله. ثم أشار إلى وعيد من خالف الحق بعد وضوحه ، بقوله تعالى :