القول في تأويل قوله تعالى :
(فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (٦٥)
(فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ) أي الفرق المتحزبة اختلافا نشأ (مِنْ بَيْنِهِمْ) أي لا من قوله تعالى ، ولا من قول عيسى. بل ظلما وعنادا (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) أي مؤلم من شدة الأهوال وكثرة الفضائح ، وظلمهم بترك النظر في الدلائل العقلية والنقلية.
القول في تأويل قوله تعالى :
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) (٦٧)
(هَلْ يَنْظُرُونَ) أي قريش (إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ) أي المتخالون على المعاصي والفساد ، والصدّ عن الحق يوم القيامة (بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) أي معاد ، يتبرأ كل من صاحبه (إِلَّا الْمُتَّقِينَ) أي المتصادقين في طاعة الله ومحبته. قال القاشانيّ : الخلة إما أن تكون خيرية ، أو لا. والخيرية إما أن تكون في الله أو لله ومحبته. وغير الخيرية إما أن يكون سببها اللذة النفسانية أو النفع العقليّ. والقسم الأول هو المحبة الروحانية الذاتية المستندة إلى تناسب الأرواح في الأزل ، التي قال (١) فيها (فما تعارف منها ائتلف) فهم إذا برزوا في هذه النشأة ، وتوجهوا إلى الحق ، وتجددوا عن مواد الرجس ، فلما تلاقوا تعارفوا ، وإذا تعارفوا تحابوا ، لتجانسهم الأصلي ، وتوافقهم في الوجهة والطريقة ، وتشابههم في السبيرة والغريزة ، وتجردهم عن الأغراض الفاسدة والأعراض الذاتية ، التي هي سبب العداوة. وانتفع كل منهم بالآخر في سلوكه وعرفانه. والتذ بلقائه ، وتصفى بصفائه ، وتعاونوا في أمور الدنيا والآخرة. فهي الخلة التامة الحقيقية التي لا تزول أبدا كمحبة الأنبياء والأصفياء والأولياء والشهداء. والقسم الثاني هو المحبة القلبية المستندة إلى تناسب الأوصاف والأخلاق والسير الفاضلة. ونشأته الاعتقادات والأعمال الصالحة. كمحبة الصلحاء والأبرار فيما بينهم. ومحبة العرفاء والأولياء إياهم. ومحبة الأنبياء أممهم. والقسم الثالث هو المحبة النفسانية المستندة إلى اللذات الحسية والأعراض الجزئية.
__________________
(١). أخرجه البخاري في : الأنبياء ، ٢ ـ باب الأرواح جنود مجندة ، الحديث رقم ١٥٧٦ ، عن عائشة.
وأخرجه مسلم في : ٤٥ ـ البرّ والصلة والآداب ، حديث رقم ١٥٩.