حظيرة النقل إلى فضاء العقل. ولكلّ وجهة.
إذا علمت ذلك ، رأيت أن من فسر هذه الآية بالمجاعة التي حصلت لقريش ، أمكنه تطبيق الآية عليها مجازا في بعض مفرداتها ، وحقيقة في بقيّتها وفي وقوع مصداقها ، في رأيه. ومن فسرها بالدخان المنتظر ، المروي من أشراط الساعة ، وقف مع المروي ورأى أنه تفسيرها. لأن الأصل التوافق والحمل على المعهود. لأنه الأقرب خطورا والأسبق حضورا ، ومن فسرها بالظهور عليهم يوم الفتح ، رأى أنها من بليغ المجاز وبديع الكناية في ذلك. وأن الوعد بالارتقاب. كثر أشباهه ونظائره في غير ما آية ، مرادا به الفتح. كآية (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) [السجدة : ٢٨ ـ ٣٠] ، فهذا وأمثاله يبين مآخذ الأئمة ومداركهم في التأويل. وبه يعلم أن أطراف المدارك قد تتجاذب اللفظ فتستوقف الرأي عن التشيع لمدرك دون آخر. ما لم يكن ثمة ما يرشح أحدها وقد يظن الواقف على كلام الرازي المتقدّم ، واحتجاجه للوجه الثاني بما أطال به ، أن لا منتدح ، بعد ، عنه. مع أن للذاهب إلى غيره أن يجيب عن احتجاجه بما أسلفنا من صحة المجاز. بل وقوّته هنا ، لأن المقام مقام إنذار وإيعاد ، والذوق أكبر حاكم وإليه مردّ البلاغة. ولا يلزم المتأوّل نكرانه للدخان المنتظر كما قد يتوهم. بل يعترف بأنه آية آتية يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ، وينقلب هذا النظام إلى نشأة ثانية. وأنه لا يلزم من الاشتراك اللفظي اتحاد المتلوّ والمروي. وبالجملة ، فاللفظ الكريم يتناول المعاني الثلاثة. وسببه تحقق مصداق الجميع. وأما تعيين واحد منها للمراد ، فصعب جدّا فيما أراه ، لا سيما ولم يتفق الصحب على رأي فيها. هذا ما نقوله الآن. والله العليم. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) (١٧)
(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) أي ابتلينا ، قبل هؤلاء المشركين ، قوم فرعون ، بإرسال موسى عليهالسلام إليهم ليؤمنوا. فاختاروا الكفر على الإيمان (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) أي على الله والمؤمنين ، أو في نفسه. فعلى الأول كريم بمعنى مكرّم أي. معظّم. وعلى الثاني ، من الكرم بمعنى الاتصاف بالخصال الحميدة ، حسبا ونسبا.