الله صلىاللهعليهوسلم : واعلموا أيها المؤمنون بالله ورسوله أن فيكم رسول الله ، فاتقوا الله أن تقولوا الباطل ، وتفتروا الكذب ، فإن الله يخبره أخباركم ، ويعرفه أنباءكم ، ويقوّمه على الصواب في أموره.
(لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) قال الطبريّ : أي لو كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعمل في الأمور بآرائكم ، ويقبل منكم ما تقولون له ، فيطيعكم ، لنالكم عنت ـ يعني الشدة والمشقة ـ في كثير من الأمور ، بطاعته إياكم ، لو أطاعكم ، لأنه كان يخطئ في أفعاله ، كما لو قبل من الوليد بن عقبة قوله في بني المصطلق ، أنهم قد ارتدوا ومنعوا الصدقة وجمعوا الجموع لغزو المسلمين ، فغزاهم فقتل منهم ، وأصاب من دمائهم وأموالهم ، كان قد قتل وقتلتم من لا يحل له ولا لكم قتله ، وأخذتم من المال ما لا يحل له ولكم أخذه من أموال قوم مسلمين ، فنالكم من الله بذلك عنت. والعنت : المشقة أو الهلاك أو الإثم أو الفساد.
تنبيه :
(أنّ) بما في حيزها سادة مسدّ مفعولي (اعْلَمُوا) باعتبار ما قيد به من الحال ، وهو قوله : (لَوْ يُطِيعُكُمْ ..) إلخ ، فإنه حال من الضمير المجرور في (فِيكُمْ) المستتر فيه. والمعنى : أنه فيكم كائنا على حالة يجب تغييرها ، أو كائنين على حالة كذلك ، وهي أنكم تودّون أن يتبعكم في كثير من الحوادث ، ولو فعل ذلك لوقعتم في الجهل والهلاك. وفيه إيذان بأن بعضهم زين لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقع في بني المصطلق ، وأنه لم يطع رأيهم هذا. ويجوز أن يكون (لَوْ يُطِيعُكُمْ) مستأنفا. إلا أن الزمخشريّ منع هذا الاحتمال ، قال : لأدائه إلى تنافر النظم ، لأنه لو اعتبر (لَوْ يُطِيعُكُمْ ...) إلخ كلاما برأسه ، لم يأخذ الكلام بحجز بعض ، لأنه لا فائدة حينئذ في قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) إذا قطع عما بعده. وأجيب بجواز أن يقصد به التنبيه على جلالة محله صلىاللهعليهوسلم ، وأنهم لجهلهم بمكانه مفرّطون فيما يجب له من التعظيم ، وفي أن شأنهم أن يتبعوه ، ولا يتبعوا آراءهم ، حتى كأنهم جاهلون بأنه بين أظهرهم ، فوضح جواز الاستئناف ، والوقف على (رَسُولَ اللهِ).
(وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) أي فما أجدركم أن تطيعوا رسول الله وتأتمّوا به ، فيقيكم الله بذلك من العنت فيما لو استتبعتم رأي رسول الله لرأيكم (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ) أي بالله (وَالْفُسُوقَ) يعني الكذب (وَالْعِصْيانَ) أي مخالفة أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتضييع ما أمر الله به.