(أُولئِكَ) أي الموصوفون بمحبة الإيمان ، وتزينه في قلوبهم ، كراهتهم المعاصي (هُمُ الرَّاشِدُونَ) أي السالكون طريق الحق.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٨)
(فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) أي إحسانا منه ، ونعمة أنعمها عليكم. قال القاشانيّ : كان فضلا بعنايته بهم في الأزل ، المقتضية للهداية الروحانية الاستعدادية المستتبعة لهذه الكمالات في الأبد. ونعمة بتوفيقه إياهم للعمل بمقتضى تلك الهداية الأصلية ، وإعانته بإفاضة الكمالات المناسبة لاستعداداتهم ، حتى اكتسبوا ملكة العصمة الموجبة لكراهة المعصية. وهو تعليل ل (حبّب) و (كرّه) وما بينهما اعتراض ، أو نصب بفعل مضمر ، أي جرى ذلك فضلا ، أو يبتغون فضلا.
(وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي ذو علم بالمحسن والمسيء ، وحكمة في تدبير خلقه ، وتصريفهم فيما شاء من قضائه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٩)
(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) أي تقاتلوا (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) قال ابن جرير : أي بالدعاء إلى حكم كتاب الله ، والرضا بما فيه ، لهما وعليهما ، وذلك هو الإصلاح بينهما بالعدل.
(فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى) أي فإن أبت إحدى هاتين الطائفتين الإجابة إلى حكم كتاب الله ، له وعليه ، وتعدت ما جعل الله عدلا بين خلقه ، وأجابت الأخرى منهما ، (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) أي تعتدي وتأبى الإجابة إلى حكم الله (حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) أي ترجع إلى حكم الله الذي حكم في كتابه بين خلقه (فَإِنْ فاءَتْ) أي رجعت الباغية ، بعد قتالكم إياهم ، إلى الرضا بحكم الله في كتابه (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) أي بالإنصاف بينهما ، وذلك حكم الله في كتابه الذي جعله عدلا بين خلقه (وَأَقْسِطُوا) أي اعدلوا في كل ما تأتون وتذرون. (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي فيجازيهم أحسن الجزاء.