وفي الآية بشارة إلهية للمسلمين بالغلبة الواقعيّة الحقيقيّة لهم ولأنبياء الله وأوليائه والمتّقين ، وإن كان لأعدائهم الغلبة الاعتقاديّة الوهمية الزائلة ، لاقتضاء الدنيا على الوهم والخيال.
ووعد منه عزوجل بحفظ دينه من كيد الكفّار وشبه المعاندين وأضاليلهم ، فيكون مضمونها مثل قوله تعالى : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [سورة التوبة ، الآية : ٣٢] ، وغيرها من الآيات الكريمة التي تبشّر المؤمنين بالنصر والغلبة ، فتكون هذه الآية من المغيّبات القرآنيّة ، وهي كثيرة. ويصحّ أن يراد بالغلبة المعنى العام منها ، الشامل للغلبة الخارجيّة في الدنيا والآخرة ، والغلبة في الاحتجاج كما هو كذلك في الواقع ، والآية تشير إلى أمر طبيعي ، وهو الصراع بين الحقّ والباطل ، والتي هي من السير الاستكمالي للطبيعة الإنسانيّة ، كما أشرنا إليه مرارا ، وسيأتي في الموضع المناسب إقامة البرهان عليه.
ويستفاد من هذه الآية الشريفة عدم شمول الشفاعة للكافرين ، فيكون معنى قوله تعالى : (وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) الحشر إلى جهنم والدخول فيه ، سواء غلبوا أم لا ، لأن حيثيّة الكفر تعليلية ، لا يمكن تخلّف المعلول عنها ، كما برهن في محلّه.
قوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا).
تحذير للذين كفروا وإنذار لهم بعدم الإصرار على اللجاج والمعاندة ، وعدم الاغترار بالعدد والعدّة. ودعوة للمؤمنين للاعتبار والتفكّر فيما منّ الله تعالى عليهم بالنصر والغلبة وتأييدهم مع ما هم عليه من القلّة في العدد والعدّة ، وتصرّفه في الأبصار وجعل الفئة القليلة كثيرة في أعين الأعداء ، فكان ذلك شارقة من شوارق الأنوار الربوبيّة على أصحاب بدر ونصرتهم على الكفر والجهالة ، وبها تنفس صبح السعادة وانطوى بساط الشرك والجهالة ، فخرجوا منتصرين في هذه الواقعة قد رفعوا راية الإسلام وزعزعوا أركان الشرك والطغيان ، وقد شدّوا على العزائم وأذعنوا بالنهوض لطاعة الرسول القائد ، فظفروا بالنجاح والنصرة.
وقد استشهد في هذه الواقعة بدور حزنت عليهم شمس الضحى ، وارتفع أنين