قوله تعالى : (فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ).
أي : انظر إلى تلك الفئة القليلة التي تقاتل في سبيل الله ، وإلى الفئة الكافرة الكثيرة ، وقد كتب للأولى ـ مع قلّتها ـ الغلبة ، وعلى الثانية ـ على كثرتها ـ الذلّ والهوان ، وفي ذلك عبرة لاولي البصائر والأبصار بعدم الاغترار بالكثرة في الأموال والأولاد ، فإن ذلك ليس سبيل النصر والنجاح ، بل الله ينصر من يشاء ولا يعجزه شيء.
قوله تعالى : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ).
أي : ترى الفئة الكافرة الفئة المؤمنة المرئية مثلي عددهم في العين والمشاهدة ، لأجل إرعاب الكفّار وإعلان الغلبة. وهذا الأمر لا ريب فيه بالنسبة إلى قدرة الله تعالى ، لإحاطته على البصائر ، فكيف بالأبصار؟ مع أن تكثير العدد بالنسبة إلى رؤية العين أمر ممكن بحسب الأسباب الطبيعيّة ، كما ثبت في علم المبصرات.
ويمكن أن يكون ذلك تصرّفا في الهواء المجاور للعين ، بحيث ينعكس الواحد متعدّدا فيها.
والآية الشريفة تبيّن تكثير المؤمنين في العين ، ولكن الآية الاخرى في سورة الأنفال تبيّن تقليل المسلمين في أعين الأعداء ، وهي قوله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [الآية : ٤٤].
ووجه الجمع بين الآيتين أن التكثير كان لغرض والتقليل كان لغرض آخر ، ولعلّه كان التقليل لأجل اجتراء العدو على مقاتلة المسلمين ، ثم تكثيرهم في أعين الكفّار وإحاطة المسلمين بهم ، ليفوزوا بالنصر والغلبة ، وهذا من أحد أسرار الحروب ، كما هو المعهود في العصر الحاضر ، كما يمكن أن يكون التقليل والتكثير في زمانين متعدّدين ، أو يكون في زمان واحد ولكن يقلّل بعضا ويكثّر بعضا آخر.
وظاهر الآية الشريفة أن الضميرين في قوله تعالى : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ)