(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧))
الآيات الشريفة تبيّن حقيقة الدنيا والآخرة ، وأن الاولى محفوفة بحبّ الشهوات وما يوجب الضلال والخروج عن الصراط المستقيم ، وأن رغائب النفوس ودوافع الغريزة هي التي تشغل الناس عن التبصّر والاعتبار والتوجّه إليه سبحانه وتعالى ، وتحجبهم عن منابع النور والحكمة ، كما تحرمهم عن نعيم الآخرة.
وقد عدّ سبحانه وتعالى في الآية الاولى اصول الشهوات المنسوبة إلى نفس الإنسان وأنها التي توجب الزيغ والضلال ، وأن قلوب الناس ملئت حبّها وجعلت مشغوفة بها ، وهي الستة ـ النساء ، والبنون ، والأموال ، والخيل ، والأرض المخصبة ، والأنعام ـ التي تتدخل في سلوك الإنسان في الدنيا وتعيّن مستقبله في العقبي ، فهي قضايا حقيقيّة تصدقها العقول ، فتكون الآية الشريفة بمنزلة الشرح لحقيقة حال من يعتقد أن الاستغناء إنما يكون بالتلذّذ بالنساء والأولاد والأموال وما وهبه الله تعالى ، فأعرضوا عنه عزوجل ، لأنهما كهم في المشتهيات وحبّ الدنيا ، وبيّن عزوجل أن ما في الدنيا من جميع المشتهيات هي متاع زائل لا قرار له.
وفي الآية التالية ذكر سبحانه وتعالى نعم الآخرة ولذائذها ، وهي جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهّرة ، وأهمّها رضوان من الله ، وقد بيّن عزوجل ما يوجب الاستمتاع به والدخول في رضوانه جلّ شأنه والوسيلة