قوله تعالى : (مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ).
ذكر سبحانه وتعالى أمورا ستة من المشتهيات ، وهي الأمور التي تتدخّل في شؤون الإنسان وسلوكه وتحدّد مصيره.
و (من) بيانيّة ، والبنين جمع ابن ، وهو الذكر من الأولاد ، ولكن في المقام يشمل الذكور والإناث ، بقرينة قوله تعالى : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [سورة التغابن ، الآية : ١٥] ، وقوله تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) [سورة سبأ ، الآية : ٣٧] ، وقوله تعالى : (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سورة الممتحنة ، الآية : ٣] ، وإنما أتى عزوجل بصيغة الذكور إما تغليبا ، أو يكون كناية عن حبّهم المذموم الذي كان دائرا بينهم.
وإنما زين حبّ البنين مع كونه من حبّ النساء أيضا ، لأن البنين هم الغاية القصوى من حبّ النساء ، وهم النتيجة لذلك الحبّ.
والقناطير : جمع القنطار ، وهو المال الكثير ، وفي بعض الأخبار ملأ مسك ذهبا ، وقيل : ملأ جلد ثور ذهبا ، وقيل غير ذلك ، وهو اسم لمعيار خاص أيضا ، وسمّي المال بالقنطار ، لأن صاحبه يعبر بواسطته الحياة الدنيا ، ويختلف ذلك اختلافا كثيرا بحسب الأشخاص والأزمنة والأمكنة وغيرها ، كالغنى الذي لا يمكن تحديده بحدّ خاص ، ومن حدّدهما إنما يحدّدهما بحسب الجهات الخارجيّة ، لا بحسب ذاتهما.
والمقنطرة اسم مفعول جيء به للتثبيت والتوكيد ، كما هو عادة العرب في توصيف الشيء بما يشتق منه للمبالغة وتثبيت معناه له. وهذا التعبير مشعر بالكثرة والاقتناء.
وتعداد المشتهيات باعتبار كون الإنسان ذا أصناف ، فإن بعضا منه يتعلّق حبّه بالنساء ، وبعضا آخر يتعلّق بجمع المال وتخزينه ، وثالثا بالأولاد البنين منهم بالخصوص ، ورابعا بالأنعام والحرث. وربما يجتمع في فرد أكثر من واحد من تلك