وجريان الأنهار من تحت الأشجار إنما هو لأجل تماميّة بهجة الجنّات وازدياد رونقها ، وكون الجنّات كذلك من أجلى مظاهر الفرح والانبساط ، لا سيما إذا استيقن الإنسان بدوام تلك النعمة ، ولذا عقّبها بقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها) ، لتماميّة النعمة ، بخلاف نعيم الدنيا.
ولجريان الأنهار أنواع كثيرة : منها ما إذا كان منبع الأنهار من غير تحت الأشجار ، ومنها ما إذا كان المنبع من تحتها ، ومنها ما إذا كان نزول الماء من الفوق في الأنهار ثم الجريان منها صاعدا (على نحو الفوارة) بالقدرة الأزلية الخلّاقة إلى غير ذلك ، وبالجملة أن هذه الجنّات تشتمل على جميع اللذائذ بأعلى مراتبها.
والأزواج المطهّرة هي تلك الأزواج التي يرغب إليها الإنسان ، التي تكون طاهرة من جميع الرذائل ومبرّأة من كلّ عيب وذم ونقصان ، خلقا وخلقا بما يلائم طبع الإنسان ، فهي في غاية الملاحة والبشاشة والسرور ، وفي ذلك تمام النعمة.
وقد خصّ الله تعالى الأزواج بالذكر من بين سائر اللذائذ الجسمانيّة ، لأن النساء أعظم المشتهيات النفسانيّة ، والوقاع من أشدّ اللذائذ عند الإنسان.
قوله تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ).
الرضوان بكسر الراء أو ضمها من الرضا مصدران ، وهو ملائمة الشيء لنفس صاحبه وسرورها به.
وقد تكرّرت مادة (رضى) في القرآن الكريم بهيئات شتّى تبلغ سبعين موردا ، وقد ينسب الرضا إلى الله عزوجل ويراد به عناية خاصة غير محدودة بأي حدّ من النعم المعنويّة ، بلا فرق بين أن يكون رضاؤه تعالى بالنسبة إلى أفعال العباد وطاعتهم له عزوجل ، أو صفاتهم وأحوالهم ، أو بالنسبة إلى أمر آخر يتعلّق بهم ، قال تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة الفتح ، الآية : ١٨] ، وقال تعالى : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [سورة المائدة ، الآية : ٣] ، وقال تعالى : (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [سورة الزمر ، الآية : ٧].
وقد ينسب إلى العبد ، وهو آخر مقامات العبوديّة الخالصة الذي هو التخلّق