قوله تعالى : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ).
أي : والله خبير بعباده عليم بأفعالهم وما تطويه ضمائرهم ، فلا تخفى عليه خفاياهم وأمورهم ، فيجازي كلّ فرد بما يكسبه وما يليق بأفعاله.
ويستفاد من الآية الشريفة أن امتياز كلّ فرد من أفراد الإنسان بما يشتهيه الداخل في عواطفه وسلوكه في حياته الدنيويّة والاخرويّة تحت إرادة الله تعالى وحكمته البالغة ، وهو عالم بمصالحهم وجزائهم لا تخفى عليه أمورهم ، فهذه الآية الشريفة بمنزلة التعليل لجميع ما سبق ذكره.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ).
بيان لصفات المتّقين المدلول عليهم بقوله تعالى : (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) ، وهي من الصفات الحميدة ، وفيه إشارة إلى بعض صفات المحبّين المخلصين ، وبعض مقامات العارفين ، كلّ ذلك في خطاب بليغ إلى أعزّ حبيبه وأطهر قلب من الشرك وأنواع العيب ، وفيه تظهر المعبوديّة المحضة للمعبود الحقيقي ، كما أن فيه وعد الاستجابة للطائعين والعابدين.
والقول : مطلق ما يشعر بالحكاية عمّا في الضمير ، بخلاف الكلام فإنه أعمّ من القول ، فكلّ كلام قول ولا عكس ، والمراد به في المقام مطابقة ضمائرهم مع ما يقولون بألسنتهم ، وسياق الآية الشريفة شاهد لما قلناه.
ومادة (غفر) تأتي بمعنى إزالة الوسخ والدنس ، يقال : «اغفر ثوبك في الوعاء ليذهب عنه وسخه». وهي من الموارد الكثيرة الاستعمال في القرآن الكريم بهيئات مختلفة جدا ، وقد أضافها الله تعالى إلى نفسه الأقدس في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم ، فهو الغفّار والغفور ، وأن منه المغفرة ، قال عزوجل : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ) [سورة الرعد ، الآية : ٦] ، وقال تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) [سورة طه ، الآية : ٨٢] ، وقال تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [سورة هود ، الآية : ١١] ، وقال تعالى : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) [سورة آل عمران ،