بحوث المقام
بحث دلالي :
يستفاد من الآيات الشريفة امور :
الأوّل : يدلّ قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ) ، على أن جميع ما يلهي الإنسان عن ذكر الله تعالى وما يؤثّر في سلوكه في دار الدنيا إنما هي هذه المذكورات في الآية الشريفة ، وهي ردّ على من ذهب إلى أن عواطف الإنسان وأحاسيسه إنما توجّهها الشهوة الجنسيّة فقط ، فهي التي تحدّد سلوكه في حاضره ومستقبله وتوجب الكابة والأمراض النفسيّة أو الجسميّة إن كبتها الفرد ، ولذلك دعى إلى الإباحة الجنسيّة ، وسيأتي في البحث العلمي تتميم الكلام.
الثاني : يستفاد من سياق الآية المباركة أن الفاعل لتزيين المذكورات فيها إنما هو الشيطان الذي يزين أعمال الإنسان ، كما ورد في جملة من الآيات الشريفة القرآنية ، قال تعالى : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) [سورة العنكبوت ، الآية : ٣٨] ، وقال تعالى : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [سورة الأنعام ، الآية : ٤٣] ، فيكون حبّ هذه الأشياء صارفا عن محبّة الله تعالى ما لم يجعلها الإنسان في طريق السعادة والفوز بالفلاح ، ولا ينافي ذلك أن يكون أصل هذه الأشياء وطبايعها من صنع الله تعالى الخالق الحكيم القيوم على خلقه المدبر لهم تدبير علم وحكمة ، فإن من سنّته عزوجل أنه خلق الإنسان حرّا مختارا في أعماله ، وأودع في خلقه بديع صنعه وأرسل الرسل لهداية الناس وأنزل معهم الكتاب والحكمة لسعادتهم ، وقد خلق إبليس الذي يوسوس للإنسان ويصرفه عن طريق الخير والسعادة على نحو الاقتضاء ، كما لم يمنع الإنسان من اتباعه ، كلّ ذلك لئلا يثبت الجبر فيبطل الثواب والعقاب ، ولإتمام الحجّة والامتحان وتمييز المؤمن عن غيره ،