فيكون عنده حسن المآب لا محالة ، وإذا كان في البين نقص وفساد وخسّة فإنما هو من مقتضيات اختيار الإنسان ، لا أن تكون بالنسبة إلى المبدأ والمآب ، فما ورد في قوله تعالى : (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ، إنما هو قضية عقليّة برهانيّة قرّرها الله تعالى في كتابه الكريم ، وليس المراد من لفظ «عنده» الحدّ الخاص من الزمان أو المكان ، بل المراد إحاطته عزوجل بما سواه إحاطة قيوميّة وربوبيّته العظمى حدوثا وبقاء ، وتبديلا إلى كلّ ما يشاء ، وإفناء متى أراد ، فهو الحي القيوم مبدءا ومآبا ، وهو الحيّ القيوم في ما بينهما ، وكلّ ذلك بالنسبة إلى كلّ ما سواه بمعنى واحد.
ثم إن اللذّة إما روحانيّة معنويّة ، أو جسمانيّة ظاهريّة ، والأخيرة متقوّمة بالقوى الجسمانيّة ، بل عن جمع من محقّقي الفلاسفة إنكار أصل اللذائذ الجسمانيّة ، وأنها ليست إلا من دفع الآلام فقط ، وأثبتوا ذلك مفصّلا.
وأما الاولى فهي من أعلى مدارج كمال الإنسان وصعوده وارتقائه إلى عوالم لا نهاية لعظمتها ، وهي شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها ، ولا ينالها أحد إلا بالتفاني في مرضاته حتّى يصل إلى درجة البقاء فيه عزوجل ، ولعلّ أحد معاني رضوان الله تعالى يرجع إلى ذلك ، وما ورد في بعض الروايات المتقدّمة من أن النساء أشهى اللذائذ إنما هي باعتبار اللذائذ الجسمانيّة ، بل يمكن أن ترجع تلك اللذّة في الجنّة إلى اللذّة الروحانيّة ، باعتبار كون النساء فيها من صنع الله تعالى مباشرة ، قال تعالى : (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً) [سورة الواقعة ، الآية : ٣٥ ـ ٣٧] ، وأما اللذائذ المعنويّة فهي أكبر وأعظم وألذّ بالنسبة إلى بعض الناس.
وهل تكون الشهوات من مختصات هذا العامل بأصولها وفروعها ونتائجها المترتبة عليها ، أو تعمّ الدار الآخرة أيضا لكن بوجه أحسن وأليق يتناسب مع ما في ذلك العالم ، بحيث يكون نسبة ما في هذا العالم إلى ذلك العالم نسبة المعنى إلى اللفظ أو نسبة الحقيقة إلى المجاز؟
والذي تدلّ عليه الآيات الكثيرة في القرآن الكريم والسنّة المقدّسة هو