التعميم ، قال تعالى : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) [سورة الزخرف ، الآية : ٧١] ، وقال تعالى : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) [سورة البقرة ، الآية : ٢٥] ، والآية التي تقدّم تفسيرها تدلّ على ذلك أيضا ، فأصل الحقيقة واحدة وإنما الاختلاف في الجهات الخارجيّة ، فجميع الشهوات النفسانيّة موجودة في الدار الآخرة على النحو الأتم الأكمل ، قال تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) [سورة الرعد ، الآية : ٢٦] ، فإن الإنسان فيها هو الإنسان في الدنيا ، وإنما يتمتّع في الآخرة بما أعدّه في الدار الدنيا من الحسنات والسيئات ، وبالملذات التي كان يريدها في الدنيا وتحصل سعادته في الآخرة ، والحرمان منها شقاء وضيق.
وإنما ذكر تعالى جملة منها في الدنيا إنما هو لمتاعها وقيام نظام هذا العالم بها ، لا أن تكون مختصّة بها دون غيرها إلا على مفهوم اللقب الذي لا يكون حجّة ، كما ثبت في العلوم الأدبيّة.
ويمكن أن يستفاد من قوله تعالى : (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ، وجود ذلك كلّه فيها على النحو الأتم والأكمل ، فإن مآب كلّ شيء فيه حسن ، إذ السير هو سير استكمالي وتوجّه إلى الكمال ، وهذا هو مقتضى إطلاق الآيات التي وردت فيها ملذّات الآخرة ومشتهياتها من دون تعليق لها بوجه من الوجوه ، بخلاف الآيات التي اشتملت على ملذّات الدنيا ، فإن فيها تعليقا بوجه من الوجوه ، وإن كانت ملذّات الدنيا يشترك فيها المؤمن والكافر ، بخلاف ملذّات الآخرة فإنها مختصّة بالمؤمن.
بحث عرفاني :
شهود حقائق الموجودات على ما هي عليها في الواقع بجواهرها وأعراضها ولوازمها وملزوماتها الأزليّة والأبديّة حدوثا وبقاء ، بل وقبل الحدوث يصحّ أن يعبّر عنه بالغيب الذاتي ، ولا حدّ لهذا الشهود من كلّ جهة ، ولو عبّر عن ذلك بابتهاج الذات بالذات يصحّ أيضا ، وهو مختصّ بالواحد الأحد الصمد ، ولا يدانيه